الثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
تتعالى بين وقت وآخر أصوات بعض السينمائيين مشيرة إلى انعدام أو تواضع الثقافة السينمائية لدى الجمهور مؤكدة أن ندرة صالات العرض ينعكس بشكل سلبي على مدى معرفته بعوالم الفن السابع، ويضاف إلى موضوع الصالات أهمية متابعة أحدث الإنتاجات والأفلام العالمية التي تحصد الجوائز في المحافل السينمائية العريقة، وأمام هذا الاتهام لا بد من إثارة سؤال: هل باتت مشاهدة الفيلم داخل الصالة السينمائية شرطاً لازماً للقول إن لدينا جمهوراً سينمائياً؟
مما لا شك فيه أن هناك جمهوراً تواقاً يمتلك ذائقة ولديه حافز وحب ليعيش أجواء الحراك السينمائي الحقيقي وهو يعي تماماً أن السينما ليست حالة ترفيهية فقط وإنما هي أداة ثقافية إعلامية لها طقسها الخاص، ولمتابعة أجواء هذا الطقس لا بد من توافر أرضية مناسبة من صالات عرض مجهزة بأحدث التجهيزات وتأمين الكهرباء بشكل دائم لها والسعر المقبول للتذكرة.. ولكن على الرغم من ذلك كله لا يمكن التغافل عن عطش الجمهور للسينما، وهذا ما يفسر حجم الإقبال الذي كنا نشهده أمام الصالات السينمائية عندما يعرض فيها فيلم سوري حديث (مثلاً)، ناهيك عن الدور الذي تلعبه صالات الكندي في مختلف المحافظات السورية والتي تحقق سوية جيدة للعرض.
الجمهور كانت له حلوله لإشباع شغفه في متابعة المميز من الأفلام عبر ما يُسمى (العرض المنزلي) إن كان بواسطة قرص مدمج (DVD) أو من خلال الانترنت، حيث يتابع المهتمون أهم وأحدث الأفلام العالمية التي غالباً ما تتعرض للقرصنة فتكون متاحة للعامة بأقل التكاليف وأسهل الطرق. وبات العرض المنزلي هو الأنسب ضمن المُتاح، دون المساس بأهمية وخصوصية ومتعة طقس العرض داخل الصالة، بما في ذلك من أجواء الصوت والشاشة الكبيرة وانفعال الحضور بما يشاهدون.
ومع انتشار فيروس كورونا في انحاء العالم والإجراءات الاحترازية المُتخذة لتفادي الإصابة به، تغيّرت الأمور وتبدلت باتجاه تكريس حالة (العرض المنزلي) كبديل مؤقت، وأسطع مثال على ذلك المبادرات التي تم إطلاقها من مختلف المؤسسات والهيئات والمهرجانات حول العالم والتي عرضت أفلاماً سينمائية (أونلاين) ومن بينها مباردة (السينما في بيتك) التي أطلقتها المؤسسة العامة للسينما ضمن فترة محددة وأتاحت خلالها مشاهدة طيف متنوع من الأفلام السورية التي كان يتوق المشاهد لمتابعتها، وأمام هذا الواقع يمكن القول إن الفيلم الجيد لا تحده حدود أو حواجز أو حتى حجر صحي، هذا ما تم إثباته بالدليل والبرهان والتجربة، لا بل ربما الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا شكلت دافعاً لعملية خلق إبداعي وحالة تحريض للمشاهدة. ومما لا شك فيه أن هذا التوق الذي يعيشه الجمهور يشكل الرد الحقيقي لكل من يقول إن الثقافة السينمائية باتت غائبة، فهناك جمهور يحمل قسم كبير منه ثقافة سينمائية تصل إلى مستوى متقدم يعكسها انتقاؤه للأفلام ومتابعته لأهمها، يرى ويناقش ويحلل ويمتلك حساسية وذائقة بصرية، ووجود هذه الأرضية الصلبة التي يشكّلها الجمهور تدفع للقول إن هناك مكاناً متقدماً للأمل بالقادم من الأيام بأن نشهد حراكاً على الصعيد السينمائي يكون للجمهور دوره الفاعل فيه، فإن أخذت الصالات السينمائية مكانها مع الوقت محققة شروط العرض اللائق سرعان ما سيكون لها جمهورها الذّواق والمثقف سينمائياً.