الثورة أون لاين – دينا الحمد:
إنها المفارقة الصارخة التي لا تحدث إلا في قواميس الولايات المتحدة الأميركية وأعرافها السياسية المنقوصة والمشوهة، حين تدرج وزارة التجارة الأميركية ضمن ما يسمى (قائمتها السوداء) المعهد المركزي الروسي للبحوث العلمية، وثلاث منشآت تابعة لمعهد بحث علمي مركزي تابع لوزارة الدفاع الروسية، ومعهد البحث العلمي الحكومي الروسي للكيمياء العضوية والتكنولوجيا، بذريعة ومزاعم أن هذه المعاهد تشارك في إنتاج الأسلحة الكيميائية.
وجه المفارقة المثيرة للاستهجان والاستغراب معاً أن أميركا تعد الدولة رقم واحد في العالم التي تنتج الأسلحة الكيميائية والنووية وكل الأسلحة المحرمة دولياً، ومع ذلك نراها تدرج دولاً أخرى لمجرد اشتباهها بإنتاج مثل هذه الأسلحة، فإذا كانت غيورة على الأمن والسلم الدوليين وحماية البشرية من شرور الأسلحة المحرمة دولياً فالأجدر بها أن تبدأ بنفسها ومؤسساتها التي تتصدر قائمة المخالفين للقانون الدولي وإنتاج كل الأسلحة المحرمة في هذا العالم.
لقد أكدت روسيا مؤخراً أن الولايات المتحدة الأميركية هي الدولة الوحيدة التي لديها مخزونات كبيرة من الأسلحة الكيميائية التي تماطل في تدميرها تحت ذرائع مختلفة، ولذلك فإن قرار واشنطن إدراج عدد من معاهد البحوث الروسية على ما يسمى (القوائم السوداء) بمزاعم مساهمتها في برامج كيميائية عسكرية يثير كل أنواع الاستغراب والاستهجان في ظل هذه الازدواجية التي تمارسها إدارة الرئيس دونالد ترامب العنصرية.
هذه البلطجة الأميركية الجديدة حيال موسكو دفعت السفير الروسي في واشنطن أناتولي أنطونوف للتعقيب على الأمر قائلاً: “لفتنا الانتباه إلى قرار وزارة التجارة الأميركية الذي أثار استغرابنا وحيرتنا خاصة وأن واشنطن لم تقدم أي دليل يثبت هذه التهمة داعياً إدارة ترامب إلى التوقف عن البحث عن مشاكل غير موجودة وبذل كل جهد ممكن لتسريع نزع السلاح الكيميائي”.
وأشار السفير الروسي إلى أن واشنطن تتجاهل أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أكدت عام 2017 امتثال روسيا الكامل لأحكام اتفاقية التخلص من المخزونات الموجودة من الأسلحة الكيميائية، بعكس الولايات المتحدة.
هكذا إذاً تعبر أميركا من جديد عن بلطجتها في التعامل مع قضايا العالم، وتحاول إيهام العالم بأن الخطر على أمنه واستقراره يأتي من روسيا مرة ومن الصين مرة دون أن تقر بأنها رمز الشرور بالعالم، وهي الوحيدة التي استخدمت الأسلحة النووية وقصفت بها هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، وهي التي تمتلك مع كيانها الإسرائيلي العنصري نصف الأسلحة المحرمة في العالم وربما أكثر، وهي التي تمارس سطوتها على منظمة حظر الأسلحة الكيميائية كي تفقدها الحيادية والاستقلالية والموضوعية، وما جرى في سورية على مدى سنوات الحرب العدوانية من اتهامات كيماوية ومسرحيات باطلة خير شاهد.
وأخيراً فإن السؤال لأميركا هو من يعرقل إقامة نظام عالمي فعال ضد الأسلحة الكيميائية؟ ومن يضع العقبات والعراقيل أمام جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من كل أسلحة الدمار الشامل لضمان تحقيق الأمن والسلم الإقليمي فيها والذي لن يتحقق دون إلزام كيان الاحتلال الإسرائيلي بالانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وكل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل؟ أليست الولايات المتحدة دون غيرها؟
جاهزة