واشنطن تفشل للمرة الثانية بالحصول على موافقة مجلس الأمن الدولي لتفعيل “آلية الزناد” من أجل إعادة العقوبات الأممية على إيران، وقد رفضت الأغلبية العظمى من أعضاء المجلس قبول رسالة الولايات المتحدة الأخيرة بهذا الشأن، فماذا يعني ذلك؟.
ما جرى في مجلس الأمن تطور في غاية الأهمية، لأنه يشير بكل وضوح إلى حالة العزلة الأميركية على الصعيد الدولي، وهذا أمر غير مسبوق، ولكن ربما يعتاد العالم على هذا الأمر في قادم الأيام، وهذا نتاج طبيعي لمفرزات السياسة الأميركية المبنية على البلطجة الدولية، والتي ضاق بها العالم ذرعاً، واللافت أن الدول الغربية التي تسير في الفلك الأميركي بدأت ترفع صوتها الرافض لاستمرار النهج المدمر الذي تسير عليه إدارة ترامب اليوم، الأمر الذي ينذر على أقل تقدير بقرب انتهاء الهيمنة الأميركية على القرار الأوروبي، وهذا سيخلف تداعيات كبيرة على مشهد التوازن الدولي في المستقبل المنظور.
عندما تبدأ السياسة الأميركية تتلقى المزيد من الصفعات من قبل دول حليفة، فهذا مؤشر قوي على تراجع النفوذ الأميركي على الصعيد الدولي، وعلى عبثية كل أساليب الضغط والابتزاز التي تمارسها واشنطن لاستمرار فرض هيمنتها، وربما تكون الدول الأوروبية قد بدأت تفكر بتغيير نمط تبعيتها التقليدية لسياسات البيت الأبيض، وتسترشد بصمود الدول المناهضة والرافضة لسياسة الغطرسة الأميركية،(روسيا- الصين – إيران – فنزويلا – دول محور المقاومة في المنطقة، وسورية نموذجا) وغيرها من دول أخرى، خصوصاً بأن هذه ليست المرة الأولى التي تعارض فيها الدول الأوروبية السلوك الأميركي، حتى إنها سبق وفكرت بإنشاء جيش أوروبي موحد، بهدف التخلي عن مظلة الحماية الأميركية.
ما جرى في مجلس الأمن لا يعني انتصاراً جديداً لقوة الحق الإيراني وحسب، وإنما بداية “صحوة” غربية لمخاطر السياسة الأميركية الكارثية على الأمن والاستقرار الدوليين، ولاسيما في ظل المساعي الأميركية لتحويل مجلس الأمن كما باقي المنظمات الدولية إلى منصات لتصفية الحسابات، صحيح أن الدول الأوروبية لا تزال شريكاً أساسياً لأميركا في سياسة دعم الإرهاب، والحصار، وفرض العقوبات الجائرة على الكثير من الدول، وسورية في مقدمتها، ولكن مجرد تأكيد رفضها مجدداً لمشروع القرار الأميركي ضد إيران، رغم سلسلة الضغوط التي مورست عليها، قد يعطي مؤشراً لإمكانية إعادة النظر بتعاطيها السياسي الخاطئ تجاه العديد من الملفات الدولية الساخنة، وربما باتت تتعظ من الهزائم المتوالية التي تتلقاها أميركا اليوم، سواء على الصعيد السياسي، أم العسكري، ومن فشلها في تحقيق أجنداتها الاستعمارية في أكثر من مكان، رغم كل قوتها وجبروتها.
كل المعطيات والدلالات، تؤكد أن سياسة إدارة ترامب، ومقارباتها الخاطئة للكثير من القضايا الدولية، تعجل من قرب انتهاء النفوذ الأميركي الذي بات يحتضر على الساحة العالمية، مقابل صعود أقطاب دولية فاعلة ومؤثرة، وبكل تأكيد فإن الصمود الذي أبدته الكثير من الشعوب- ومنها الشعب السوري- في مواجهة المخططات والمشاريع الأميركية الاستعمارية، لها عظيم الأثر في أسباب زوال الهيمنة الأميركية المحتملة.
كلمة الموقع – ناصر منذر