الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
في كانون الأول الماضي، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات جديدة شديدة الصرامة وواسعة النطاق ضد سورية.
وتفرض العقوبات الأميركية على الشعب السوري منذ عام 2011، لكن الإجراءات الجديدة، التي دخلت حيز التنفيذ منتصف حزيران، كانت شاملة ومشددة ومؤذية للمدنيين، فهي تنطبق على أي شخص سوري أو أي شركة تتعامل مع الحكومة السورية داخل سورية وخارجها في كل دول العالم حتى في مجال الغذاء والدواء، رغم مرور العالم في جائحة covid19 التي كانت بحاجة إلى تكاتف وتعاضد جميع الدول للوقوف في وجه هذه الجائحة.
وحازت هذه العقوبات الأميركية ضد سورية على موافقة الدول الحليفة لأميركا، كما رفضت روسيا والصين وإيران هذه العقوبات لأنها تزيد من معاناة الشعب السوري، وتعوق جهود إعادة الإعمار، وتخنق الاقتصاد ما يؤثر سلباً على الناس خلال الأزمات الإنسانية والصحية العامة المتزايدة في سورية، وقال الممثل الأميركي الخاص لسورية جيمس جيفري، إن الهدف من هذه العقوبات واتباع سياسة الأرض المحروقة هذه هو “الضغط ومحاصرة الدولة السورية للسيطرة عليها وعلى مقدراتها واكتساب نفوذ كافٍ لإعادة تشكيل حكومة سورية موالية لأميركا على غرار السياسة التي فرضتها الولايات المتحدة على اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
وأكد جيفري أن الولايات المتحدة تسعى إلى “تحول جذري” في سلوك الحكومة السورية نظريًا، قد يؤدي إلى إجبارها على التنازلات التي تريدها أميركا” هذا وقد أيدت الولايات المتحدة “الضربات الإسرائيلية” ضد الأراضي السورية ومصادرة تركيا لموارد الطاقة السورية، كما أغلقت الطريق السريع الرئيسي المؤدي إلى بغداد لخنق التجارة.
في عام2011 شرع الرئيس الأميركي باراك أوباما والزعماء الأوروبيون في حملة غربية للترويج لشخصيات معارضة تكون في حكومة بديلة – لكن شخصيات “المعارضة” هذه المدربة في الغرب والتي عملت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على ترسيخها لم يكن لها أي تأثير على الأرض، وفشلت محاولات الولايات المتحدة في حقن المجتمع السوري بمثل هذه المعارضات، وفي عام 2012 أحصت وكالة المخابرات المركزية أكثر من 1500 ميليشيا معارضة في سورية. وبحلول الوقت الذي لبت فيه روسيا في عام 2015 نداء الدولة السورية للتعاون في مكافحة الإرهاب، بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون في الخوف من أن هذه الجماعات المعارضة لم تعد تؤدي دورها، لذلك بدلت الخطط الإرهابية و”المعارضة” بالحصار الاقتصادي والعقوبات.
تفترض حملة العقوبات الجديدة لواشنطن أن المستنقع في الشرق الأوسط الذي تخلقه الولايات المتحدة سيؤثر على دور روسيا بطريقة ما. بالنسبة لمؤيدي هذه السياسة – خاصة أولئك الذين بلغوا سن الرشد في حقبة فيتنام – فإن مصطلح “المستنقع” هو مصطلح شديد الصدى، ويشير إلى الحرب التي قتلت 58000 أميركي، ومزقت المصداقية الأميركية، وأضعفت نسيج المجتمع الأميركي لكن ببساطة تكرار هذا المصطلح التعويذي لن يحول المستنقع التاريخي للولايات المتحدة إلى روسيا.
صممت إدارة ترامب العقوبات التي فرضتها الآن على سورية لجعل إعادة الإعمار مستحيلة، وتستهدف العقوبات قطاعات البناء والكهرباء والنفط، وهي ضرورية لإعادة سورية بالوقوف على قدميها، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تقول إنها “تحمي” حقول النفط السورية في الشمال الشرقي، إلا أنها لم تمنح الحكومة السورية إمكانية الوصول لإصلاحها، كما أن العقوبات الأميركية تمنع أي شركة من أي جنسية من إصلاحها ما لم ترغب إدارة ترامب في إعطاء استثناء، وتم إجراء مثل هذا الاستثناء مؤخرًا لشركة أميركية لإدارة حقول النفط.
إن هذه العقوبات تحرم المدنيين من الكهرباء التي يحصلون عليها لساعة أو ساعتين فقط في اليوم، وتسمم بيئتهم أيضًا، وتمنع منظمات الإغاثة غير الأميركية من تقديم المساعدات الإنسانية والخاصة في إعادة الإعمار.
الاستثناءات الإنسانية غامضة بشكل متعمد، ويواجه السوريون المحظورون من إعادة بناء بلدهم، والسعي للخروج من أزمتهم، وعلى الرغم من أن جيفري قال إن الولايات المتحدة لم تعد تسعى لتغيير الحكومة في سورية، إلا أن العديد من المدافعين عن العقوبات داخل إدارة ترامب ما زالوا يأملون في ذلك بالضبط، وهم يأملون بأن آلام السوريين اليومية ستؤتي ثمارها.
اعتقد صانعو السياسة في واشنطن أن السوريين سيرضخون للمطالب الأميركية، باعتماد “مجموعة جديدة تمامًا من السلوكيات” من أجل “الخروج من هذه العقوبات”. لكن هذه الفكرة كانت خاطئة كما سابقاتها، فقد انتصرت الدولة السورية وحلفاؤها، رغم احتمالات كبيرة، لم يتصدعوا عندما قام المتطرفون بتفجير خلية الأزمة في وقت مبكر من الحرب، ولم يتصدعوا عندما فقدوا تدمر أو إدلب أو نصف حلب أو حقول النفط أو الشمال الشرقي أو الجنوب الشرقي؛ رفضوا حملة القصف الأميركية المباشرة على الأراضي السورية،
وقد صمدوا أمام جهد أمريكي نشط لتجهيز وتدريب المعارضة المسلحة. إذاً لم تهزم تسع سنوات من العنف الوحشي ، بل كان الانتصار على كل هؤلاء المرتزقة الارهابيين من جميع دول العالم ، فمن غير المرجح أن يهزمه الحصار الاقتصادي فقد اصبح الشعب السوري أكثر ادراكاً للمخططات التي ترسمها أمريكا لبلادهم. تحاول إدارة ترامب إقناع العالم – أن الإفقار وتقييد التجارة سيجلب الحرية للشعوب.