الثورة أون لاين- الدكتور عوني الحمصي :
في ليلة وضحاها يخرج علينا أردوغان على شاشات الإعلام التركيّة معلناً للأتراك ولدول العالم أنّه استطاع اكتشاف أكبر حقل للنفط والغاز في البحر الأسود ضمن المياه الإقليميّة التركيّة نقطة تاون ون التي تبعد حوالي١٥٠ كلم عن الشاطئ التركي، وأن هذا الاكتشاف يحتوي على 320 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، والعمل على استخراجها في العام ٢٠٢٣، متابعاً حديثه بالقول إنّنا لا نطمع في مياه أو حقوق وثروات الآخرين، واللافت في هذا الإعلان جملة من المعطيات والمؤشّرات سيتمّ مناقشتها من خلال الإجابة على بعض التساؤلات المشروعة بهدف الوصول إلى أبعاد هذا الإعلان بهذا الإنجاز أو الاكتشاف المفاجئ لكلّ هذه الثروات الهائلة في تركيا ومن أهم هذه التساؤلات:
1- ما هو سّرّ الإعلان في هذا التوقيت بالذات عن هذا الاكتشاف المفاجئ وهل هناك ما يخفيه أردوغان وراء هذا الإعلان؟
٢- لماذا ربط هذا الإعلان في اكتشاف هذه الثروات النفطية في البحر الأسود مع إعلانه بشكل علني بأنّ تركيا لا تطمع في مياه أو حقوق وثروات الآخرين من دول الجوار الجغرافي القريبة والبعيدة منها؟.
وقبل الإجابة على هذين السؤالين لا بدّ لنا من التذكير بإشكاليتين لطالما شكلتا عقداً مزمنة “عقدة نقص دائمة” أربكت السياسية التركيّة على مدى العقود الطويلة من قيام الجمهورية الأولى على المستويين الداخلي اقتصاديّاً وماليّاً وعلى المستوى الاقليميّ والدوليّ لطبيعة علاقاتها مع الآخرين.
المسألة الأولى: أزمة وقلق الهوّيّة والانتماء ما أدّى إلى عقدة النقص لدى الأتراك.
المسألة الثانية: وأعتقد هي الأكثر تعقيداً كونها تمسّ الاقتصاد التركيّ وموارده الماديّة واستنزافه وهي أن تركيا لا تمتلك ثروات باطنيّة طاقويّة من نفط وغاز على الرغم من كونها تشكّل إحدى أهم ممرات خطوط نقلها من روسيا وغيرها وكلّ الآفاق مفتوحة بالمشاركة مع تلك الدول بتوسيع هذه الخطوط ومع ذلك مازالت تنظر إلى نفسها ناقصة تابعة للآخرين وتريد التخلّص من هذه العقدة بامتلاكها هذه الثروة والموارد الطاقوية.
ومن هنا إذا كان الهدف من وراء هذا الإعلان هو الانكفاء نحو الداخل التركيّ لسببين لا ثالث لهما
الأول المواجهة العنيفة من التمدّد التركيّ في البحر الأبيض المتوسط والرفض الأوروبيّ والمصريّ لهذا التمدّد.
الثاني بعد الاتفاق مع حكومة السراج الإخوانيّة قد حصل على حصّة الأسد من الثروات النفطية الليبية من جهة والذي يتزامن مع الوقف الفوري لإطلاق النار في جميع أنحاء ليبيا ” ليقطع الطريق على أيّ تدخلات عسكرية أجنبية وطيّ صفحة الصراع والاقتتال، وكذلك الإعلان عن استئناف إنتاج النفط وتجميد إيراداته في حساب خارجي للمصرف الليبي”.
وهل المقصود بالخارجي البنوك التركية أم إنّ كلّاً من أردوغان والسراج يقومون بمناورة ومراوغة لخداع الأوروبيين ومصر بالأخصّ لإعلانهم وقف إطلاق النار؟، الذي تزامن مع زيارة وزيري الدفاع القطري والتركي من أجل ضمان تركيا بتركيب شبكة دفاع جوّي متطوّر بقاعدة الوطيه وتركيب رادارات حديثة تضمن له التفوّق مستقبلاً في ليبيا وفي حوض البحر الأبيض المتوسط، كذلك إعادة الاستثمار وتنظيم صفوف التنظيمات والمرتزقة الإرهابيّين من أجل كسر الخط الأحمر المصري والأوروبي وهذا اعتاد ممارسة المراوغة مع الدول الضامنة الروسيّ والإيراني في إدلب عندما كان الجيش العربي السوري يتقدّم ويحرّر الكثير من المناطق من سيطرة الإرهابيين فكان يسارع الاتصال بالدول الضامنة لعقد اجتماع معها للحفاظ على ما تبقّى من التنظيمات الإرهابية خوفاً من فقدان ورقته الأخيرة في سورية.
بالإضافة إلى ذلك علينا ألّا ننسى أنّ هناك رغبة شديدة من قبل رجب طيب اردوغان في العودة للداخل التركي بشيء من الإنجاز بدغدغة مشاعر الشعب التركي وأنّه المخلّص من الاختناق الاقتصادي الذي يمرّ به الأتراك وهذا من جهة يدلّ على تخوّف كبير من قبله على فقدان مكانته كحزب على المستوى السياسي ودوره الاقتصادي بعد جملة الانشقاقات الداخليّة في صفوف حزب العدالة والتنمية من قبل لغلو وباباجان بالإضافة إلى الرفض الكبير لقوى المعارضة لسياساته الخارجية التي لم يجن منها سوى تراجع مكانة تركيا الإقليمية والدولية من جهة أخرى.
على ما يبدو من كلّ ما تقدّم يريد اللعب على كلّ الجبهات الداخلية والخارجية هذه المرة في نفس التوقيت ليقول الشارع التركي أنني شاركت في كلّ هذه الحروب الخارجيّة التي خضتها من أجلكم، وطبعاً هذه القصّة تعود بدايتها إلى العام ٢٠٠٦ عندما حدد اللواء المتقاعد “جيم غورد ينيز” بتحديده أهداف وطموحات تركيا في المياه والبحار المحيطة بها لتأمين احتياجاتها من الطاقة لدعم مواردها الاقتصاديّة وبكلّ الطرق الدبلوماسية والسياسية والعسكرية أي سواء بالقوة الناعمة أم الخشنة لكن بعد الاكتشاف، المفاجئ للنفط والغاز في المياه الاقليميّة التركيّة نحن أمام سؤال مهم يطرح نفسه، هل فعلاً ستكون هذه الثروة الجديدة في تركيا نقمة أم نعمة للشعب التركي؟ مع بداية استخراجها ٢٠٢٣ مع نهاية الجمهورية التركية الأولى والتي ستوفر مليارات الدولارات لتركيا.
وأخيراً لا بدّ لنا من القول: على ما يبدو ستشكل هذه الثروات نقمة مع فائض القوة وفائض الطموح الأردوغاني الإخواني في المنطقة بعدما فتحت شهيته على أوسع أبوابها من سرقة النفط السوريّ عن طريق داعش وأخواتها بالإضافة لذلك التدخلات الخارجية الأردوغانية في الكثير من دول المنطقة من أجل طموحه العثماني الجديد مع بداية ٢٠٢٣ وأن يكون الخليفة والسلطان العثماني والانتقال بتركيا جذرياً من النظام الرئاسي إلى السلطنة العثمانية الثانية وليس الجمهورية الثانية.
ويكفي أن نذكر دوره التدميري الممنهج في ليبيا وقطع مياه الشرب عن مليون مواطن في الحسكة والتنقيب عن النفط في المتوسط وزعزعة الأمن والاستقرار في أرمينيا وأذربيجان والتهديد بنقل الإرهابيين إلى داخل أوروبا والاعتداء على شمال العراق وتهديد الأمن القومي المصري وغيرها الكثير من الأفعال الإجراميّة .