كانت جريمة قطع المياه عن مدينة الحسكة واحدة من الإجراءات العدوانية الموصوفة بأنها جريمة بحق الإنسانية مقدمة متكررة ضمن مخطط إجرامي عدواني كبير .
فالمنطقة ذات بعد استراتيجي كبير على المستوى المحلي والجيوسياسي على السواء، فمحلياً تعد الحسكة مركز الجزيرة السورية الغنية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وهي قد مثلت على الدوام عمقاً وطنياً داعماً للنموذج السوري في العيش والتكامل، ذلك النموذج الذي صمد وواجه كل أشكال العدوان الإرهابي الغربي الاستعماري طوال أكثر من تسع سنوات، ويثبت أنه يملك القدرة على الاستمرارية حتى الانتصار الكامل في معركة المواجهة والالتفات للبناء بعدها وهيكلة الدولة ومؤسساتها وفق الرغبة والمصلحة والطبيعة السورية وحدها.
وعلى المستوى الدولي والإقليمي تلعب الجزيرة السورية ومركزها الحسكة دوراً محورياً بالنسبة لقوى العدوان الساعية للسيطرة عليها واستغلال ثرواتها النفطية والغازية والمعدنية والزراعية، فضلاً عن موقعها الجيوسياسي بالغ الأهمية في المخطط العدواني الإرهابي الصهيوني الغربي الراهن، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان المحاولات الصهيونية المتكررة لإدخال قوات كيان العدوان الصهيوني إلى الجوار العراقي كامتداد طبيعي وجغرافي يمكن أن يشكل قاعدة انطلاق للاعتداء على كل من سورية والعراق وإيران في وقت واحد.
وتتابع حكومة نتنياهو بالنتسيق مع الإدارة الأميركية هذه المهمة الآن عبر توظيف قوات قسد لتغيير طبيعة الجزيرة السورية وإحداث تغيير ديموغرافي فيها.
وتعد الاغتيالات والتفجيرات واستهداف الشخصيات الاجتماعية الفاعلة والمؤثرة وعمليات اغتيال رؤساء وزعماء العشائر وعمليات التهجير الممنهجة، تعد الأساليب التي تتبعها قوات قسد لتنفيذ الأجندة الصهيونية .
وهكذا ضمن هذا السياق يمكن لنا فهم عمليات قطع المياه عن مدينة الحسكة وتعطيش أهلها بصورة متكررة وهي الراقدة على بحر من المياة والسابحة فوق بحر آخر ، فلا يجد المواطنون مخرجاً لهم غير الهجرة من مدينتهم والانتقال إلى الداخل السوري، أو تفضيل الهجرة الخارجية، وذاك هدف آخر يتم التشجيع عليه بصورة كبيرة.
يأخذ العدوان الإرهابي على سورية أشكالاً مستجدة وأكثر شيطانية في كل وقت، وفي الحسكة والجزيرة تتقاطع خطوط العدوان وتتعدد ما بين عدوان تركي أردوغاني موصوف إلى عدوان أميركي مباشر تتوسطهما اعتداءات فرنسية وألمانية وأوروبية مختلفة، لتنتج كلها مناخاً يساعد ويدعم عصابات قسد، وهي إن كانت تصطدم مع قوات أردوغان حيناً، فإن الإدارة الأميركية تحول دون ضربها أو القضاء عليها، بل تنقلها إلى خطوط ومناطق جديدة تجعل معها لعبة العدوان في رقعة يمكن السيطرة عليها لتنفيذ المشروع الصهيوني المفتوح في اختراق الداخل العربي كله، والتركيز على الاختراق في الجزيرة السورية لأسباب عسكرية واقتصادية وثقافية واجتماعية هامة، يعمل الصهيوني على خلخلتها وإضعاف تماسكها وفق أوهامها وأطماعها، الأمر الذي يستدعي تحركاً سريعاً لمواجهة تلك الأطماع المعقدة، وهو قرار قريب يوجد الكثير من المؤشرات التي تدعم احتمال القيام به بصورة سريعة جداً، وربما يكون أسرع مما يتوقع ويرى الكثيرون.
معاً على الطريق – مصطفى المقداد