من فوق…!
كأنها بلغت الحياد المطلق، حين تغمض عينيها تكاد تدخل في سباق مع هذه النسائم الطليقة، ذراعي الطائرة، وتلك المروحة التي تدور من فوق، يجعلان الأمر يبدو مجرد انزلاقات متتالية…!
أخف من عصفور في ليلته الأولى في الحياة، إحساسها على متن هذه الطائرة في رحلة لم تخطر لها يومأً، كالحلم تماماً…ليت بإمكانها الاحتفاظ بهذا الإحساس أبداً..
نظرة خاطفة إلى تحت، أين الحفر..؟
الدروب المغلقة، الأوبئة، الكره، الشر، القبح، الجشع البشري المتفاقم، وكل هذا الخراب المزدهر…؟!!
اهتزت الطائرة قليلاً، وشعرت أنه قريب منها، كما لم يفعل يوماً، حينها بدت الأجواء ساحرة حقاً… لم تفكر الاحتفاظ بنسق تفكير محدد، ولا يتوجب عليها الانقباض، وفكرت بالتخلي عن رزانتها الشاحبة، ولكن عقلها لا يزال يضغط عليها، مخافة أن تفلت من قوالب استغرقت وقتاً طويلاً وهي تصيغها على مقاس غيرها…!
من فوق كل شيء مختلف، كل شيء يتسع ويصبح مفتوحاً…
في لحظة…لم تعد تشعر أنها هي، كانت أرق منها، أقل مزاجية، روحها ترفرف إلى أبعد مدى، وكل هذا الواقع الذي اختطفها يوماً، لم تعد تذكره، ولا تفكر بفهمه…ليمشي كما يشاء، لن تكون يوماً، أسيرته…
حين كانت “تحت”…تنوعت الأحياء التي سكنتها، كان كل حي يخطفها إليه، وتعيد تقييد ذاتها، وفقاً لأهوائه، حين وصلت أفكارها إلى هنا، عاودها توترها، لم تعد تفكر بالإخلاص لأي فكرة…انتشت وعادت الى السماء…
المناظر من هنا غريبة، مبهرة، جماليتها من كليتها..
ما إن حطت الطائرة على الأرض، شعور داخلي، أنبأها أنها لن تتمكن من العودة إلى حياتها السابقة يوماً…!
كان للمنظر من فوق مفعول لا يقدر بثمن…!
رؤية – سعاد زاهر