ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم :
تمضي حكومة أردوغان في ترميم ما انقطع من خطوط ود مع الإرهاب بمصادر تمويله وقنوات دعمه، وتمارس لعبة تدوير الزوايا في مد جسور التواصل مع رعاته الاقليميين،
معتمدة على ما اختزنته من خبرة في شراكة الإرهاب، وما راكمته من عوامل وجوده تدريباً واحتضاناً وتسليحاً، فتوزع عطاياها الإرهابية غرباً وشرقاً.. شمالاً وجنوباً، بأذرعها المباشرة أو وكالة عبر مرتزقتها.
مبدئياً.. لا أحد يجادل بأن تركيا في قبضة العدالة والتنمية هي غيرها في سائر عهودها السابقة، رغم ما شاب الدور التركي تاريخياً ووظيفياً من منعطفات سلبية بعد انضمامه إلى حلف الناتو، سواء في المهمات التكتيكية أم الاستراتيجية، وذلك على مستوى المشهد الإقليمي كما هو دولياً وفي الخيارات المطروحة على الساحة الداخلية التركية.
في لعبة التحالفات الكبرى وكل ما يتعلق بها في المنطقة وعلى صعيد التعبئة داخل التحالفات الدولية، كانت حكومة أردوغان تسدّ الفراغات الحاصلة في أغلب الأحيان وتسير وفق روزنامة من الالتواءات التي سمحت لها بالتموضع داخلها مهما كان المجال صغيراً أو كبيراً.. واسعاً أو ضاغطاً.
الانزلاق التركي جاء بعد أن أوكلت الولايات المتحدة الأميركية المهمة لتركيا في قيادة المشروع الجديد، حين فشلت كونداليزا رايس في مهمتها الدبلوماسية، عقب عدوان تموز، بعد قصف سياسي تمهيدي، وتسويق ترويجي امتد لسنوات طويلة، كنموذج لما تريده الولايات المتحدة الأميركية، وبعدها كانت الانعطافة الكبرى في تشابك المصالح التركية مع الإرهاب الدولي والذي بدأته مشاركة مع قطر، وامتدت فيما بعد لتتحول تركيا إلى مركز عالمي لتزويد الإرهابيين بالسلاح.
وبدا لافتاً، وفي اتجاهات عدة، هذا التواتر في الأخبار الواردة عن مصادرة السفن التركية المحملة بالأسلحة، والمتجهة إلى البقاع العربية، لتغذية العنف والإرهاب، وتحولت الموانئ التركية إلى مورد رئيسي لكل أنواع الأسلحة المهربة، التي تزود المجموعات المسلحة من اليمن وصولاً إلى تونس وليبيا مروراً بمصر، ناهيك عن تحويل الأراضي المجاورة لسورية إلى مستودعات متنقلة لتخزين السلاح القادم من بقاع الأرض.. وبتمويل خليجي وليبي.
المسألة لم تحظَ بالاهتمام الإعلامي، ولم يتم التوقف عندها، في حين لو أن الأمر ارتبط بأي طرف آخر لكانت الدنيا قامت ولم تقعد، وخصوصاً بعد أن تحولت الأرض التركية إلى مخازن لا تنضب لتزويد الإرهابيين في سورية بالأسلحة، وما فاض على الأرض التركية كانت تتولى إيصاله عبر الموانئ اللبنانية أو غيرها.
لم تكتفِ تركيا بهذا التورط، بل أتبعته بتحويل الأراضي التركية إلى «تورا بورا» الشرق الأوسط والعالم، واستطاعت أن تجمع فيه الإرهابيين والمرتزقة على حدّ سواء من أصقاع العالم قاطبة، ولم يعد خافياً على الغرب مدى ما تمثله الأرض التركية من خطر، نتيجة تحولها إلى نقطة جذب للإرهاب الدولي.
وبالتوازي معه كانت الانعطافات التركية تحدث ما أرادت ان توصل من خلاله رسائلها في التورط السياسي والإعلامي والاستخباراتي، ولم تترك مخابرات إقليمية أو عالمية إلا وفتحت لها الطريق لتتواجد على الأراضي التركية، بحيث باتت تركيا بمدنها وفنادقها موقعاً متحركاً يعج بالاستخبارات والمرتزقة والأجراء من كل حدب وصوب.
السؤال.. لماذا بقيت تركيا حتى اللحظة تمارس دورها الوظيفي في تراتبية المشهد الإرهابي، رغم تحييدها سياسياً عن قيادة المشروع في المنطقة؟ ولماذا هناك من يلوذ بالصمت في تتبع التورط التركي والأدلة على شراكتها في الإرهاب بات يعرفها القاصي والداني؟!
من الواضح أن الضمانات المقدمة إلى حكومة أردوغان نسجتها الاستخبارات الإسرائيلية على منوال الصك الأميركي الممهور لإسرائيل، وتوهمت حكومة أردوغان بناء عليه أنها خارج المحاسبة، وبعيدة عن التداعيات الغارقة فيها حتى أذنيها، وقد تناست أن انتهاء مهمتها سيعني بالضرورة انتهاء الدور الوظيفي لها على مختلف الأصعدة.
لم ينتظر أردوغان انتهاء الوظيفة العضوية ليحصي خسائره، بل سارع بعد أن سبقته الأحداث على نحو مفاجئ وغير متوقع إلى الغرق أبعد في مستنقع الإرهاب، وبدلاً من البحث عن طريقة يخفف فيها من تعرجات انزوائه القسري، راح يمارس مكابرته ويزيد من امتدادات يده الآثمة في تسليح الإرهابيين، وبدت السفن التركية تجوب الشواطئ العربية لتنقل ما راكمته مخازن الأسلحة على الأرض التركية بعد أن سقطت آخر أوراق التوت.
الأذرع التركية في ممارسة الإرهاب لم تعد معسكرات تدريب واحتضان ومطارات عبور، بل أيضاً مجازر وحشية لطمس جرائم مرتزقتها الإرهابية في محاولة للتعويض عما خسرته من بوابات في زعامة الإرهاب ، ولو كان من بواباته الخلفية أو من النوافذ الجانبية ، وخان العسل واحدة من تلك المهام الوظيفية التي تريد من خلالها استعادة الشراكة في الإرهاب إقليمياً ودولياً.
a.ka667@yahoo.com