الثورة أون لاين- فؤاد الوادي:
منذ وصوله إلى سدة الحكم في تركيا، سارع الإخواني رجب أردوغان إلى الإمساك بزمام الأمور والتحكم بمفاتيح الحكم والسلطة إلى حدود التفرد المطلق بالقرارات المصيرية، بعد أن حول بلاده إلى سجن كبير لشعبه يمارس فيه أبشع أنواع الظلم والاستبداد والقمع والوحشية.
فقد اتبع سياسة التفرد بالكرسي، بادئاً بحزبه أولاً، حيث قام بسجن واعتقال العديد من أعضاء وكوادر وقيادات حزب “العدالة والتنمية” بعد أن أبدوا امتعاضهم من ممارساته الحمقاء ومنهم مسؤولون كبار، ثم قام في مرحلة لاحقة باعتقال وإقالة كبار الضباط والقادة العسكريين المحسوبين على التيار العلماني ممن رأى بأنهم يشكلون خطراُ على مشاريعه الإخوانية تحت ذرائع التخطيط للانقلاب عليه والإطاحة به وإقصائه عن الحكم، ثم انتقل إلى اعتقال الآلاف من أبناء شعبه ومن مختلف المهن والوظائف والمجالات، محامين ، قضاة ، صحفيين، أطباء ..الخ ممن يعارضون سياساته ويرون فيها خطراً على بلادهم.
وانطلاقاً من موقعه المتقدم ودوره الوظيفي في المشروع الصهيو- أميركي الهادف للسيطرة على شعوب ودول المنطقة بهدف نهب وسلب خيراتها وثرواتها ومقدراتها، بعد تدمير وتشريد وقتل الملايين من أبنائها أصبح أردوغان رأس الحربة المسمومة في الحرب الإرهابية على سورية مستخدماً كافة السبل والوسائل القذرة، بدءاً بدعم واحتضان وتدريب وتسليح الإرهابيين، وصولا إلى ممارسة سياسات الإجرام واللصوصية والنهب والسلب لثروات وخيرات ومقدرات الشعب السوري، والعدوان المباشر على الدولة السورية بمبررات وذرائع مرفوضة حتى في داخل تركيا.
لكن أحلام “السلطان” العثماني في سورية اصطدمت بصمود أسطوري للشعب السوري وإرادة فولاذية للدفاع عن الأرض والتراب والهوية والوحدة، جسّدها الجيش العربي السوري الذي بدد أوهام “السلطان” وأفشل المشروع الصهيو- أميركي، وهو الأمر الذي دفع بأردوغان للبحث عن إشعال حرائق أخرى في المنطقة من أجل تشتيت الانتباه عن هزيمته وهزيمة مشروعه في سورية، بعد سقوط داعش وانحسار باقي التنظيمات الإرهابية المدعومة من قبله في مناطق محدودة.
وقد كانت ليبيا “المتعبة” بحرب لم تتوقف منذ نحو عشر سنوات المسرح المفضل ليقوم النظام التركي بالتعويض عن فشله في سورية بعد أن قامت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وبعض الدول الغربية وأدواتهما في المنطقة في وقت سابق بتهيئة البيئة المناسبة للعبث والتخريب والإرهاب على الأراضي الليبية، لكن محاولات ذلك المجرم والإرهابي اصطدمت أيضا بإرادة الشعب الليبي الذي كشف وفضح مخططات وأهداف أردوغان في بلاده، وفي مقدمتها تقسيم وتفتيت ليبيا إلى دويلات وكانتونات لتسهيل السيطرة عليها ونهب خيراتها وثرواتها في البر والبحر وبالشراكة مع أميركا والكيان الصهيوني، فيما بات يعرف بالسيطرة على مراكز النفط وخطوط الغاز العالمية وخرائط نقلها، ودول المركز التي يجب أن تمر فيها والتي يسعى النظام التركي لأن يكون محورياً فيها لجهة التحكم والسيطرة والابتزاز فيما هو أبعد من ذلك، لاسيما في ملفات كبرى، خاصة تلك الملفات والقضايا الكبرى لأنقرة، والتي صنفها أردوغان تحت عنوان (الملفات الانتقامية)، مثل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي شكل عقدة أمام سياساته ومشاريعه الإخوانية على خلفية الرفض الأوروبي القاطع لتلك السياسات، ليس لأنها إرهابية أو اخوانية، بل لأنها جاءت خارج سياق الموافقة والإجماع الأوروبي ولو أن بعضها كان بدعم معلن، لاسيما تلك التي تتعلق بالحرب الإرهابية على سورية.
حرائق أردوغان امتدت إلى المتوسط، حيث أرسلت أنقرة سفينة استكشاف للقيام بعمليات تنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية لليونان وتحديداً في المنطقة البحرية جنوب جزيرة كاستيلوريزو اليونانية جنوب شرق بحر إيجه بعد اكتشاف حقول ضخمة من الغاز ما أعطى دفعاً كبيراً لطموحات تركيا بالسيطرة عليها، لاسيما وأنها تستورد نحو 95 في المائة من حاجاتها في مجال الطاقة من روسيا وأذربيجان، وهو الأمر الذي يشرع الباب على مرحلة جديدة من الحماقات الاردوغانية التي باتت تهدد المنطقة والعالم أجمع، على اعتبار أن هذه الحماقة أو المغامرة الجديدة سوف ترفع منسوب الكراهية للنظام التركي وسوف تراكم من الخلافات مع بلدان القارة العجوز، خصوصا اليونان، بشأن ملكية الثروات الطبيعية شرق البحر المتوسط.
لقد بات هناك ما يشبه الانطباع بأن تدخله في ليبيا آيل للفشل بعد أن فشل في تحقيق أهدافه في سورية، لذلك لابد أن يرتد هذا الفشل في ذات المنطقة الجيوسياسية لخارطة أطماعه، وما محاولة أردوغان مد حرائقه إلى دول المتوسط سوى لعبة مكشوفة وغبية، الغاية منها خلق مساحات وهوامش جديدة للمناورة والابتزاز في ملفات وقضايا كثيرة مع باقي دول المنطقة التي استشعرت خطره، بما في ذلك حلفاؤه وشركاؤه في حلف الناتو.
تقترب تركيا اليوم بسبب سياسات أردوغان الإرهابية والاخوانية من عزلة دولية، ولذلك بات من الممكن تقليم أظافر نظامه داخليا وخارجياً، وإذا ما أردنا أن نلخص ما تسبب به أردوغان من أضرار لبلاده فحسب فلن نجد أوضح مما قاله نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي اوزكور أوزال قبل أيام ” بأن سياسات أردوغان باتت تهدد المصالح القومية التركية لأنها دفعت العديد من دول العالم لمعاداة تركيا التي باتت تعاني الكثير من المشاكل الأمنية والاقتصادية والمالية بسبب هذه العداوات”.