ستنتهي الحرب مهما طالت..
وستنتصر سوريا , ستهدأ النار وستبدأ الذاكرة بالنشاط من جديد عندما نقف على أطلالها ونرى بعض آثارها التي لم تستطع السنوات الطويلة والنيران المشتعلة أن تمحوها . وكما عثر على رفات عشرات الجنود الشهداء في الرقة سنعثر على تفاصيل كثيرة مروعة ..وستعيدنا تلك التفاصيل بين الفينة والأخرى إلى وجع الحرب ..إلى المفقودين والضائعين والمظلومين والشهداء القديسين الذين سقوا سورية بدمهم ولم نعثر على رفاتهم .
ستنتهي الحرب ..وسننتصر .و ستنشط الذاكرة كلما مرّ طيف الشهداء والجرحى والبيوت المدمرة والمدن المنكوبة والمعارك الضارية ..ستتراءى لنا وجوه الثكالى والأرامل واليتامى من وراء حجب الزمن ..لن ننسى .بل علينا ألا ننسى الذين ضحوا بأرواحهم من أجل سورية وصمود سورية ووحدة سورية .علينا ان نتذكر باحترام الأمهات اللواتي قدمن الشهيد تلو الشهيد ولم يفقدن ثقتهن بالنصر الأكيد .سيكون من المحزن أن نغفل ذات يوم مع مرور الزمن عن أسماء الجنود في دير الزور، أو في جسر الشغور أو الرقة .في تدمر .في جبل السردة .في القصير .في دمشق .وحمص ودرعا والسويداء وريف اللاذقية وفي كل مكان ..وعلى الشعب السوري أن يتمتع ببصيرة عالية وبذاكرة التقدير والتبجيل دائما” لهؤلاء الفقراء الذين كانوا أول المدافعين عن تراب سورية وأول المستشهدين وأول الجرحى .
بالأمس وأنا أعبر الشارع التقيت بشاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره وهو يقود عربة المقعدين باتجاه الرصيف .كان العابرون مسرعين ولم يلتفت أحد إليه مع أنه المختلف عنهم والمميز عنهم .تجاوزوه وكأنهم في رحلة طيران مسرعين .شعرت بالأسى وتمنيت أن أقف وأصرخ في الشارع لأقول للعابرين ( قفوا باحترام .قدموا له التحية .إنه الذي زرع أطرافه في تراب الوطن دفاعا” عنكم لتمشوا أنتم على أطرافكم .إنه الذي يحتاج الآن إلى تقديركم وحنانكم ودعمكم لأن الشعوب الحية لا تنسى جرحاها ولا شهداءها ..وكلنا نذكر كلمة القائد الخالد حافظ الأسد الذي اعتبر الشهداء أكرم من في الدنيا وانبل بني البشر ..وكذلك مشى السيد الرئيس بشار الأسد على النهج نفسه ..فحري بنا نحن الشعب أن نبقى على العهد وان نسير على نفس النهج .صحيح أننا محزونون ومأزومون إلا أن البلد بحاجة إلى ذاكرة متقدة وإلى إدراك وتقدير لأهمية الرموز الوطنية والقومية وعدم خلط الأوراق وضياع البوصلة بين مدع وبين مناضل حقيقي .
مع العلم ان الحروب دائما” تفرز هكذا تجاوزات وتظهر فيها بعض الشذوذات .من هنا تطفو طبقة تجار الحرب وانتهازيي الحرب، ولابسي الأقنعة .لكن الأيام القادمة كفيلة بإزالة تلك الأقنعة ليظهر الوجه الحقيقي لمن كان مع الوطن ودافع عنه ولمن كان ضد الوطن واستقدم الأجنبي لتدميره وذبحه ونهب ثرواته وتقسيمه كما يجري الآن في الشمال الشرقي لسورية الحبيبة حيث ان فئة سورية تتعاون مع الأميركي والتركي لنهب ثروات البلد من بترول وقمح وثروات وأوابد في الوقت الذي يمارس علينا حصار لم تعرفه أمة ولا دولة .لكننا صامدون صابرون ولا بد للحق أن يظهر ولا بد للتاريخ أن يكتب يوما مصححا ما شوهه الخونة والعملاء لتبق سورية الأبجدية والتاريخ والحضارة والأصالة والشعب الأبي .أما الذين شذوا وخانوا ونهبوا وتعاونوا مع الغربي والصهيوني فهم ليسوا منا ولسنا منهم والتاريخ لن يرحمهم ولن يغفل عنهم .عاشت سورية وعاش أبطالها الأوفياء الذين ينامون في العراء بعيدا” عن بيوتهم وأسرهم وكل متاع الحياة ..والرحمة والخلود لشهدائها الذين وهبوا الحياة للوطن وأبناء الوطن .
معا على الطريق – أنيسة عبود