إنها حقيقة، نيران فعلية، هذه المرة شعرت أن قلبها، يخرج من صدرها، الاختناق ازداد مع تضاعف سرعتها، والروائح المختلطة ، لم يكن بإمكانها أن تسترخي أو تلتقط أنفاسها، سرعة النيران في هذا الجو الجهنمي رهيبة، أو هكذا بدا لها الأمر…
وهي تفكر باحتمال فوز النار، على كل هذه البساتين نظرت إلى الوراء قليلاً لترى أن ألسنتها تبتلع كل ما خلفها، حين نظرت أمامها شاهدت رجلاً قد اسود وجهه، أو هي شعرت لأن كل ما حولها تلون بالسواد، والنيران تستطيل…
كم يبدو الفرد ضعيفاً في مواجهة النار التي اخترعها أجداده يوماً..!
هذه المرة حالفها الحظ، ووصلت إلى المنزل الذي يبعد كيلومترات قليلة عن تلك الحرائق الكارثية، أمسكت بغصن ، بدا أن ركبتها اليسرى تأذت، ما إن استندت على العصا، حتى تلتفت لتجد الغريب لايزال مذهولاً..
عرزالي، طيوري، بستاني…والحراج الداخلية قرب أرضي،… لا يكمل جملته… ويتهالك أرضاً ..
الإثنان ينظران برعب إلى الاتجاه نفسه، يحاولان معرفة إلى أين يمكنها أن تمتد ،هل يمتلكان وقتاً كافياً للهرب..
يا للكوارث المتلاحقة، أي قدر..؟
ما بال العالم لا يصدر سوى الخراب..تقول وهي تسأله..هل تريد فنجان قهوة..؟
وكأس ماء يجيبها..الرجل الأربعيني المتهالك والذي لا تدرك كيف كان شكله سابقاً..
حملت فنجانين من القهوة على صينية صغيرة…وضعتها على طرف درج البيت الريفي الصغير، متسائلة بصوت عال كأنها تسأل نفسها، هل علينا أن نغادر..؟ أين تسكن…؟
آخر الضيعة، منزلي أبعد من منزلك عن النيران، أفضل أن نسير إليه، لأطمئن على أهلي..!
بعد شرب القهوة أجابته..كأنها تتهرب من أي فعل..
هي القادمة إلى زيارة منزلها الريفي، هاربة من لهيب المدينة، وحرائقها اليومية، وغلاء أسعارها…وانتكاسات أهلها…
جلست تتأمل استعارالنيران، وعشوائيتها، أغلقت باب منزلها…دون أن تدري إن كانت ستعود يوماً لتراه رماداً…
حين مشى الرجل أمامها للمرة الأولى رأت وجهه الأبيض الشاحب..كان يردد ..هل ستفوز..؟
اعتقدت هي…أنه بالتأكيد لايقصد فقط هذه النار الملتهبة الهارب منها، بل كل نيران حياتنا يقصد…
رمى يديه إلى جانبيه نظر باتجاهها، لم يشعر بأي شيء…مجرد خوف غامض من اكتشاف أمره…!
رؤية -سعاد زاهر