تتحدث دول الغرب الاستعماري كثيراً عن ضرورة مكافحة الإرهاب، والتصدي له بكل الوسائل والسبل، ولكن ما يحدث هو العكس تماماً، إذ تلجأ هذه الدول إلى استخدام كل إمكانياتها لتقوية شوكة الإرهابيين والعمل على حمايتهم كأدوات وظيفية تستثمر في جرائمهم أينما تقتضي مصالحها ومشاريعها التخريبية والتدميرية، حتى أنها تصبح شريكاً فعلياً لهم ضد الدول التي تحاربهم لتخليص البشرية من شرورهم، وهذا ما يحصل في سورية اليوم، ورغم استصدار قرارات دولية داخل مجلس الأمن تتصل بضرورة تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، إلا أن الدول الغربية الرافضة لاستعادة من بقي من إرهابييها الذين صدرتهم إلى سورية، لا تزال تتلاعب بالقرارات الدولية ذات الصلة بهذا الشأن، وتعوق مسألة اعتماد أي قرار بديل وحازم تحت الفصل السابع يلزم الدول الأعضاء كافة بالتعاون للقضاء على ظاهرة الإرهابيين الأجانب وضمان التزام الدول المعنية باستعادة إرهابييها واتخاذ إجراءات رادعة بحقهم.
الرفض الغربي المتواصل لإبداء أي تعاون جاد وفعال للقضاء على ظاهرة الإرهاب، أو حتى الكف عن دعمه بمختلف الوسائل والسبل، يشير إلى حقيقة واحدة، وهي أن ممارسة الإرهاب الدولي الممنهج، لا تزال تشكل جوهر النهج الأميركي والغربي، وهذا النهج نراه يزداد حدة مع تعاظم قوة الصمود السوري، ومع كل هزيمة تواجه مشاريع منظومة العدوان التي لا تزال تراهن على تنظيماتها الإرهابية، وميليشياتها الانفصالية العميلة، لفرض واقع سياسي يتماشى مع رؤيتها الاستعمارية، ولذلك نجد أن أميركا التي تمارس أعلى درجات البلطجة الدولية لإنقاذ مشروعها المتهاوي، تستنفر كل أدواتها وعملائها من أجل إبقاء سورية في دوامة الإرهاب والفوضى، لتمرير مخططاتها المعدة للمنطقة بأسرها، واستكمال عمليات التطبيع مع العدو الصهيوني التي يتحدث عنها ترامب لفرض “صفقة القرن” جزء من هذه المخططات، ومحاولة إطباق الحصار على قوى محور المقاومة كنتيجة للتطبيع وفق ما يتوهم الأميركي، هي المسألة الأخرى التي تأخذ الحيز الأكبر في أجندة البيت الأبيض بهذه المرحلة، ولاحظوا الإجراءات العقابية ضد إيران والمقاومة الوطنية اللبنانية، والهجوم الشرس على حزب الله في خضم عمليات التطبيع الجارية.
أميركا وأتباعها الأوروبيون، يحتاجون لتوظيف الإرهاب بعناوينه المتعددة أكثر من أي وقت مضى في هذه المرحلة، لما يشكله الإرهاب من ركيزة أساسية لسياسة الغرب المتغطرس، وهذا ما تمليه الخشية الغربية من قرب زوال الهيمنة الأميركية على القرار الدولي، في ظل الصعود المتسارع لقوى دولية أخرى وإثبات جدارتها بفرض رؤيتها على مجرى الأحداث العالمية، والساعية لإيجاد نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب، الأمر الذي يتعارض مع النهج الأميركي، ومع الرغبة الأوروبية الطامحة لتقاسم النفوذ مع الولايات المتحدة، رغم أن الأخيرة لا تقيم أي وزن لحلفائها وشركائها، وتستخدمهم كأدوات تنفيذ لمشروعها الاستعماري.
ولذلك لا نستغرب التناغم الأوروبي مع الأجندة الأميركية لجهة استهداف تلك الدول الصاعدة ومنها روسيا والصين وغيرهما من الدول المحورية الأخرى، فدول القارة العجوز سرعان ما تنبري لتنفيذ أدوارها الوظيفية بما يتماهى مع عناوين المشهد المستحضر أميركياً لهذه المرحلة أو تلك، ومن هنا نلاحظ التصعيد الأوروبي ضد روسيا، سواء من بوابة قضية نافالني المزعومة، أو من بوابة بيلاروس، أو عبر استفزازات “الناتو”، وكذلك التماهي مع اتهامات واستفزازات واشنطن ضد بكين فيما يتعلق بهونغ كونغ أو بحر الصين الجنوبي، إضافة لركوب الموجة الأميركية العدائية ضد سورية وإيران وفنزويلا وكوريا الديمقراطية، وأي دولة أخرى تعتبرها الولايات المتحدة عدواً لها، وكل ذلك يبرهن أن أميركا وأوروبا تجمعهما نزعة إرهابية مشتركة لا يستطيعان التخلي عنها، وأن الإرهاب نشأ من رحم أطماعهما التوسعية.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر