افتتاحية الثورة- بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
في مُقابل الهَرولة نحو ارتكاب جريمة “التطبيع” مع الكيان الصهيوني هناك من يَمتلك شجاعة الرفض وإرادة التعبير عن التمسك بحق الشعب الفلسطيني ودعمه واعتبار قضيته أُم القضايا ومفتاح الاستقرار في المنطقة، وهناك من لم يَتخل عن القضية، بَقي مُرابطاً مُقاوماً لا يَكتفي بالتعبير عن رفض التطبيع وعن التمسك بالحقوق، بل يَتصدى للعدوان وسياسات الاحتلال والهيمنة، ولن يقبل بأقل من التحرير واستعادة الأرض والمُقدسات.
كلمةُ الجزائر باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الحالية لم تَعكس مَوقفاً فقط، بل ربما كَشفت المسافة الفاصلة في المَواقف، بين المُشرفة منها والمُخزية، بين الثابتين القابضين على الحق والمُهرولين المُنبطحين أمام الباطل.
عندما يُؤكد الخطابُ العربي المُلتزم أنّ القضية الفلسطينية تَبقى أُم القضايا العادلة، وعندما تُتخذ المواقف بإدانة التطبيع المُذل، فهل يَبقى مَكانٌ لادعاءات المُطبعين السخيفة؟ أم إنها تكون الادّعاءات الساقطة التي تُساهم بتعزيز عمليات الضم والقضم الصهيونية فضلاً عن الإسهام بتمويل مُخططات التهجير والاستيطان؟ ذلك من خلال اتفاقيات الخضوع والاستسلام التي يُوقعها المُطبعون.
تَعرية المُطبعين أمرٌ لا يَحتاج لطرح مَزيد من الأسئلة الكاشفة السهلة، لا العميقة المُعقدة لتتضح الحقيقة، فذلك أمرٌ بَيِّن واضح لا يَقبل الشك والتأويل، وبهذه الحالة لا نكون فقط أمام واجب إظهار عُري المُطبعين وتَفاهة ما يَطرحون، بل نَكون أمام واجب الذَّهاب في البحث عَميقاً باتجاه كَشف خطورة التطبيع كخطوة أولى نحو تَكريسه في المُجتمع العربي كأمر واقع أو كخيار لا يَجب استبعاده.
يَسأل كثيرون عن ثَمن التطبيع، عن دوافعه، وعن تَوقيته، سعياً لمُحاولة العثور على إجابات لا تكتفي بعَرض ما بات يَعرفه الجميع، سواء لجهة: أنّ الثمن يَتلخص بضمان إبقاء المُطبعين في السلطة، وأنّ إرضاء الأميركي يَختزل كل الدوافع، وأنّ التوقيت اقتضته التطورات فقط، وأن لا جديد بالأمر سوى أنّ العلاقة بين المُطبعين والصهاينة انتقلت من السر إلى العلن.
الالتفافُ على الفشل بتصفية القضية الفلسطينية – بصفتها أُم القضايا العادلة – رغم كل ما فَعلته أميركا والغرب بالتعاون مع الأنظمة الرجعية بالمنطقة اقتضى التطبيع العَلني المُتسارع بالتوازي مع مُحاولة تَسويق “صفقة القرن” وتَنفيذها، ذلك تَرجمةً لاعتقاد صهيو – أطلسي يَتوهم النجاح من بعد الهزيمة التي يَتجرعها تحالف الشر والعدوان في سورية.
قد يكون ثَمن التطبيع الإبقاء على حكومات المُطبعين باستبدادها وتَفريطها وفسادها، غير أنّ دَوافعه لا تتوقف عند حدود إرضاء أميركا، ووحدَه الكشف عن الدوافع التي جَعلت الأنظمة المُطبعة وتلك التي تتجه للتحالف مع الصهاينة في خطوة علنية تتجاوز التطبيع – قطر، السعودية – تُنفق مليارات الدولارات على تَمويل وتسليح التنظيمات الإرهابية التكفيرية في سورية، قد يُوضح باقي دوافع التطبيع.
إنّ الارتباط بين دَوافع التطبيع ودوافع تمويل وتسليح التنظيمات الإرهابية ارتباط عضوي واضح فاضح، ذلك أنّ سورية التي بَقيت وحيدة كجهة مُقاومة قادرة مُقتدرة تَحتضن فلسطين قضية ولواء وشعباً، كان لا بُد من مُحاولة إضعافها، تَدميرها وتَمزيقها لو أمكن .. فكانت الحرب الإرهابية العدوانية، ولَمّا فشلت بتحقيق غاياتها، وقُبيل استكمال الانتصار على الإرهاب ومُخططه، اتجهت قوى العدوان بالقيادة الأميركية لتَسريع التطبيع تَعويضاً للإخفاق، وتَطويقاً لبروز ونمو مواقف عربية أصيلة، الجزائر منها وليست آخرها.
المَوقف الجزائري الرسمي والشعبي وسواه من المَواقف الرافضة المُناهضة للتطبيع، إذا كانت اليوم تَكشف المسافة الحقيقية الفاصلة بين الأُمناء والخَونة، فإنها ستُحرضُ على طرح المَزيد من الأسئلة الكاشفة التي تُعري مَن لم يَرفع يوماً لواء فلسطين إلا نفاقاً، وتَفضح مَن لم يكن يوماً إلا مُرتمياً بالحضن الصهيوني مُرتهناً للغرب وأداة رخيصة بيد الأميركي، ولتبقى الكلمة الفصل لقوى المقاومة، ثقافتها، محورها وقيادته .. الأيام بيننا.