الثورة أون لاين -عبد الحليم سعود:
بعد صفقات التطبيع المذلة بين دول خليجية والكيان الصهيوني الغاصب ، وتنصل رئيس الحكومة الصهيونية الإرهابي بنيامين نتنياهو من كل الاتفاقات والالتزامات الدولية التي تدعو لحل قضية الشرق الأوسط حلاً عادلا وفق مبدأ الأرض مقابل السلام ، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ، وبعد تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية بحق المقدسات والحقوق الفلسطينية ، وازدياد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة على الفلسطينيين في الضفة والقطاع ، وسرقة الأراضي الفلسطينية عن طريق بناء المزيد من الكتل الاستيطانية في القدس المحتلة والضفة الغربية ، والاحتفاظ بآلاف الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال ، وقيام واشنطن بخطوات خطيرة تهدد القضية الفلسطينية برمتها ، يرى الكثيرون أن الفرصة أكثر من مواتية لتفجير انتفاضة فلسطينية جديدة “ثالثة” تعيد الألق للقضية من جديد ، وتشكل رداً حقيقياً على كل ما يحاك حالياً من قبل الاحتلال والمطبعين معه من مؤامرات لهضم حقوق الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته المحقة تحت عنوان كاذب وهو “تحقيق السلام”.
ففي مثل هذا اليوم قبل عشرين عاما اندلعت انتفاضة الأقصى (28 أيلول عام 2000) واستمرت أكثر من خمس سنوات (8 شباط 2005) وذلك بعد قيام الإرهابي أرئيل شارون بتدنيس باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه ، الأمر الذي دفع جموع المصلين إلى التجمهر ومحاولة التصدي له ، لتتصاعد بعدها فعاليات الرفض الشعبي لممارسات شارون الاستفزازية فانفجرت انتفاضة جديدة تميزت عن انتفاضة 1987 بالمواجهات المسلحة ، وارتفاع وتيرة الأعمال العسكرية بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الذي حاول قمع الانتفاضة بأقسى ما لديه من وسائل البطش والقتل ، فاستشهد 4412 فلسطينيا ، وجرح 48322 ، أما خسائر الاحتلال فكانت 334 جندياً ، و 735 مستوطناً ، إضافة إلى 4500 جريح ، وتم عطب 50 دبابة من نوع ميركافا وتدمير عدد من الجيبات العسكرية والمدرعات الإسرائيلية.
وقد شهدت مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة خلالها عدّة اجتياحات واعتداءات إسرائيلية منها عملية “الدرع الواقي” و”أمطار الصيف” و”الرصاص المصبوب”، ذهب ضحيتها المئات من الشهداء ، ويعتبر الطفل الفلسطيني “محمد الدرة” رمزاً لهذه الانتفاضة ، فبعد يومين من اقتحام المسجد الأقصى، أظهر شريط فيديو التقطه مراسل قناة تلفزيونية فرنسية في 30 أيلول عام 2000، مشاهد إعدام للطفل محمد (11 عاما) بينما كان يحتمي بأبيه في شارع صلاح الدين جنوبي مدينة غزة.
اليوم تمر القضية الفلسطينية بوضع أشد خطورة من الوضع الذي كان سائداً عام 2000 ، حيث حمل التطبيع العربي مع الاحتلال في أعلى درجاتها إذعانا لطلبات الرئيس الأميركي دونالد ترامب “الأكثر دعماً للكيان الصهيوني” ، والذي يحاول توقيع صفقة “صفقة القرن” تنهي هذه القضية وتشطب حقوق الشعب الفلسطيني بشكل نهائي مقابل تعويضات مالية تدفعها دول عربية تراهن على سلام زائف مع كيان التوحش والإرهاب ، ولذلك لا بد من حدث كبير يعيد لهذه القضية وهجها ويوقف المسار المذل الذي سلكه بعض العرب في الفترة الأخيرة، لأن حكومة العدو ذهبت بعيداً في سياسة الاستيطان وضم الأراضي وتهويد القدس والاعتداء على الفلسطينيين وحصارهم ، وقد ساعدها على ذلك رئيس أميركي يتفوق على الإسرائيليين بصهيونيته ودعمه للاحتلال ، حيث اعترف ترامب بالقدس عاصمة موحدة للكيان الغاصب ونقل سفارة بلاده إليها ، وهو سلوك لم يسبقه إليه أي رئيس أميركي سابق ، في وقت تضاءلت فيه فرص السلام الحقيقي كثيراً بعد أن انحاز أصحاب “المبادرة العربية للسلام” إلى النهج التطبيعي المجاني ، بعيداً عن التشاور مع الشعب الفلسطيني أو وضع حقوقه ، ومطالبه المشروعة في عين الاعتبار ، في خذلان جديد لقضية العرب المركزية.
وأما “إسرائيل” فهي اليوم مع نتنياهو أكثر يمينية وأكثر تطرفاً وأقل استعداداً للانخراط في أي تسوية تحفظ الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني ، أو تعيد له شيئاً مما سلب منه كونها تقطف نتائج مجانية من بعض الأنظمة العربية ، وهذا ما يملي على الفلسطينيين شعباً وقيادات وفصائل مقاومة نهجاً جديداً ، لأن الاحتلال لا يفهم سوى لغة القوة “الانتفاضة الشعبية والمقاومة المسلحة”، ولن ينصاع للشرعية الدولية إلا إذا أجبر على ذلك ، حيث بإمكان الحدث الفلسطيني أن يعيد لم الشمل العربي “شعبياً على الأقل” ويحرج النظام الرسمي العربي.
لا أحد يجادل في مدى تأثير ما يسمى “الربيع العربي” وأحداثه الدموية على تغيير الأولويات في المنطقة بعد أن انتشر الإرهاب فيها ، حيث تم استهداف الدول العربية وخاصة الدول التي تحتضن قضية فلسطين وترفع لواءها مثل سورية بهذا الإرهاب التكفيري المصنع أميركيا ، بهدف إضعافها وإسقاطها كي تسقط القضية من تلقاء نفسها، ولكن سورية بمؤازرة محور المقاومة ظلت صامدة واستطاعت أن تهزم الإرهاب ، وتقاتل اليوم بكل الوسائل المتاحة لتحرير ما تبقى من أرضها من المحتلين الاميركي والتركي ومرتزقتهما دون أن تتخلى عن واجبها تجاه هذه القضية المصيرية، رغم كل ما تواجهه من الضغوط والعقوبات الأميركية القاسية ، وهذا يجب أن يكون ملهماً للشعب الفلسطيني لأن قضيته بقيت حية بفضل سورية وشركائها في محور المقاومة ممن صمموا على المواجهة حتى عودة الأرض والحقوق المغتصبة