ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـلي قـاسـم:
سيغرق الجنرال ديمبسي في التفاصيل وهو يصغي إلى الهواجس الإسرائيلية وعوامل القلق التي تستفحل كل يوم، كما غرق قادته السياسيون في جزئيات الوعود التي أغدقتها أدواتهم ومرتزقتهم على مدى سبعة عشر شهراً ونيف، التي تراكم فشلها ومشاهد عجزها.
في الشكل قد لا يكون هناك فارق كبير في التفاصيل والجزئيات بين غرق سياسي وآخر عسكري، لكن في النتيجة تبدو أخطر من مجرد غوص في المستنقع السياسي الذي تشعر الإدارة الأميركية بالدوار كلما أمعنت في الحال الذي وصلت إليه، حيث التورط العسكري والمغامرات غير المحسوبة، تترتب عليهما تداعيات لا تقف عند حدود الفشل وما يعنيه، بل في الارتدادات التي تتشكل على حوافه وخصوصا حين تقترن بنفخ لا يتوقف من الرؤوس الحامية في إسرائيل.
التسريبات الإسرائيلية التي سبقت وصول ديمبسي، أو تلك التي تزامنت مع وجوده، تشي بالنيات المسبقة التي أعدتها إسرائيل ضمن لائحة طويلة، لا تنتهي عند حدود محاكاتها للهواجس المستجدة على وقع التطورات الميدانية في الحدث السوري، كما أنها لا تبدأ من لحظة إعلان دخولها على خط الأزمة من زاوية الدعم العلني للمسلحين وتوفير أدوات الدعم السياسي والبيئة الحاضنة سياسياً ولوجستياً.
ربما يستطيع الجنرال ديمبسي أن يضيف خيارات أخرى إلى خياراته التي اطلقها أمام الكونغرس، وقد يكون بمقدوره أن يحذف بعضها، لكنه سيبقى عاجزاً عن تجاهل الأثمان الباهظة التي تبدو مضاعفة إذا ما واصل الغرق في التفاصيل الإسرائيلية المسرفة في أحاديتها والمبالغة في تقديراتها والكارثية في حساباتها، في ظل هوس إسرائيلي باللعب في المحظورات ونزوع نحو تجاوز الخطوط الحمر.
ما بات في حكم المؤكد أن القدوم الأميركي لاستطلاع وجهات النظر الإسرائيلية – حسب الإفادة الأميركية ذاتها – لا يؤشر إلى حسن نيات بقدر ما يعكس رغبة أميركية في الابتعاد خطوات إضافية عن الحل السياسي، والإمعان في تعطيل الجهد الدولي والدخول على خط المغامرة بالتجريب والعبث باستقرار المنطقة والعالم.
النفخ الإسرائيلي المتصاعد في جمر المنطقة الملتهب، يعني بجردة حساب بسيطة أن رهانه على المجموعات المسلحة والإرهابيين ومموليهم وصل إلى الحائط المسدود، وكان لا بد من جر الحليف الأميركي إلى القاع مباشرة، بعد يأس واضح من الحصيلة التي تتبدل والكفة التي تميل في اتجاه يتناقض مع الحسابات الإسرائيلية.
وحين يكون التجريب وفق المسعى الإسرائيلي فعلى العالم جميعه من يمينه إلى يساره، ومن القوي فيه إلى الضعيف، أن يتحضر لفصول من الجنون السياسي والتهور العسكري الذي لا يمكن لقوة في العالم أن تحصر نيرانه على مساحة المنطقة أو عند حدود تخومها، فالاشتعال قد يبدأ هنا ولكن من المؤكد أنه لا يمكن أن ينتهي حيث اشتعل!!
التحذير الأميركي المبالغ في نعومته على لسان الجنرال ديمبسي من النتائج والتداعيات، لا يلامس جذر المشكلة، ولا يقدم حلولاً، بل لا يبدو كافياً للجم التهور الإسرائيلي ولا لكبح الإلحاح من قبل أُجَراء أميركا في المنطقة لإعادة خلط الأوراق، لكنه في الوقت ذاته يزيل الكثير من الضبابية المتعمدة حول الموقف الأميركي بالذات، وربما يكشف بالقرائن عن حقيقته والغايات التي يسعى إليها، ويفضح في الوقت ذاته نفاقه وحديثه عن الحل السياسي الذي سيبقى مؤجلاً إلى إشعار آخر وإلى حين تضطر أميركا إلى الاعتراف بأن رهانها كان خاسراً، وأن التفاصيل الإسرائيلية كانت فخاً لاصطياد ما تبقى من هيبة القوة العظمى، في الوقت الذي توهمت فيه أنها تصطاد كما اعتادت ذلك في مناخات الهيمنة السابقة، وأن الوعود التي قدمتها أدواتها كانت كاذبة والمهل المتتالية التي منحتها كانت في غير محلها!!
a.ka667@yahoo.com