تنفطر قلوب السوريين اليوم، وتزداد آلامهم وأوجاعهم أمام مشهد الحرائق التي تلتهم آلاف الدونمات الحراجية والزراعية بأرياف اللاذقية وطرطوس وحمص، وباتت تنذر بكوارث إضافية مع اقترابها من القرى المحيطة بمواقع الحرائق بفعل حركة الهواء وشدة الرياح التي ساهمت بتوسع انتشارها وامتدادها، وكل سوري حر وشريف تنتابه الحمية والغيرة الوطنية لأن يكون إلى جانب أولئك الأبطال من عناصر فرق الدفاع المدني ورجال الجيش والأهالي المتواجدين بتلك المناطق، للمشاركة في عملية إخماد تلك النيران، فهي من دون أدنى شك تستعر في داخله بالقدر الذي تلتهم فيه خيرات وثروات الوطن.
من البديهي أن أي حريق يندلع بهذه الغابة أو تلك يكون له مسببات، بفعل الطبيعة، أو بفعل الإنسان، سواء أكان هذا الفعل متعمداً أو عن غير قصد، (بسبب الإهمال أو الاستهتار على سبيل المثال)، نحن لا نريد استباق نتائج التحقيقات، ولكن حجم تلك الحرائق بأعدادها الضخمة، والتوقيت المتزامن لحدوثها يجعلنا نقفز بسرعة إلى فرضية أن بعضها على الأقل بفعل فاعل، وأن ثمة أياد خفية مغرضة وراء اشتعالها، وهذا الاحتمال وارد جداً في ظل ما نتعرض له من حرب إرهابية ممنهجة، تتخذ أشكالاً وعناوين متعددة، تستهدف المواطن السوري في كل تفاصيل حياته اليومية، فاندلاع عشرات الحرائق باللحظة نفسها، أو نشوب عدة حرائق فور إخماد أي حريق في مكان آخر، من غير المعقول أن تكون كلها بمحض الصدفة، وما يعزز هذا الاحتمال أن تلك الحرائق تحدث في مواقع وجبهات متعددة متباعدة جغرافياً (ثلاث محافظات في الوقت نفسه)، وهذا يضعف من القدرة والإمكانيات لمواجهتها، فالكوادر البشرية والآليات والصهاريج المستقدمة من عدة محافظات تتوزع على كل تلك المواقع، وليس على موقع واحد ومحدد، ما يشير إلى أن الدافع من وراء تلك الحرائق هو إحراق مساحات حراجية وزراعية كبيرة، ورفع حجم الضرر الناتج، وهذا بكل تأكيد لا يصب سوى في مصلحة اللاهثين وراء إطباق الخناق على السوريين من بوابة الإرهاب الاقتصادي الممنهج، ومن غير المستبعد أن يكون ثمة عملاء يقومون بهذا الدور.
الكثير من المساحات التي طالتها الحرائق مزروعة بأشجار الحمضيات والزيتون، وهذا يعطي دلالة إضافية على فرضية التخريب المتعمد في بعض الحرائق إن لم يكن كلها، ولاسيما أن السوريين لم تزل جراحهم تنزف جراء إحراق محاصيلهم الاستراتيجية على يد الاحتلالين الأميركي والتركي ومرتزقتهما الإرهابيين لغايات وأهداف واضحة ومعروفة، ولكن بغض النظر عن صحة هذه الفرضية، فسواء كان سبب بعضها بفعل فاعل متعمد، والبعض الآخر كان بسبب الإهمال، فكلا الأسباب تعتبر تعديات لا يمكن تبريرها، فالتعدي على الغابات والثروة الحراجية والأراضي الزراعية، هو تعد على الوطن، ولا بد من تحري الحقائق، وملاحقة الفاعلين أو المتسببين وتشديد العقوبات بحقهم إلى حدودها القصوى، ووضع آليات رادعة لمنع تكرارها، وردع من تسول له نفسه الإضرار بثروات الوطن.
مشهد الحرائق، لا شك أنه يزيد من آلامنا وأوجاعنا، لما يسببه من كوارث اقتصادية وبيئية، ومن تشويه للقيم الجمالية والسياحية لغاباتنا وأحراجنا، ولكنه في الوقت نفسه يدفعنا لمضاعفة العمل بروح وطنية مسؤولة لوضع آليات أكثر فاعلية، لحماية ثرواتنا الحراجية من التعديات -مقصودة كانت أم غير مقصودة – الأمر الذي يساهم في الحفاظ على غاباتنا وكنوزنا الطبيعية وما تمثله من قيمة اقتصادية وبيئية واجتماعية وتراثية وحضارية.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر