ثورة أون لاين- شهناز صبحي فاكوش:
تتغير الأحكام بتغيّر الأزمان، مقولة يرددها الكثيرون خاصة في هذا الزمن الضّنك، الذي تتهافت فيه قوى الشّر، لتستشري على الخير، مع أنها أقل منه إلا أنها الطاغية .
تستضيف الولايات المتحدة الأمريكية طلبة عرباً من أقطار عربية شتى. ويهمس في أذن الطلبة السوريين ألا يتحدثوا في السياسة السورية الأمريكية ومشاعرهم تجاه أمريكا، إن كانوا موالاة حفاظاً على أمنهم.
أما الطلبة الفلسطينيون ممن يسمون عرب /48/ فهم يحملون جواز سفر إسرائيلي، البعض منهم يعرّف عن ذاته أنه فلسطيني، أما إحداهن فكانت تصرّ على أنها إسرائيلية مع أنها فلسطينية .أما أهل الضفة فجوازات سفرهم فلسطينية .
الطلبة السوريون سوريّتهم وعروبتهم وقوميتهم التي رضعوها من ثدي البعث مع حليب الأمهات، تحضر معهم في الحِّل والترحال. استطاعوا بحوارهم إقناع عرب/48/ على وضع العلم الفلسطيني وخارطة فلسطين غير منقوصة واسمها على صدورهم .
السوريون وضحوا للجميع أنّ ماتدفعه سورية اليوم من دماء أبنائها، وماينالها من تخريب ممنهج تنفيذاً للمؤامرة المحيقة بها كونها تدافع عن القضية الفلسطينية والمقاومة، وأنه من أضعف الإيمان أن يعلنوا عن عروبتهم الفلسطينية.
بغض النظر عن جواز السفر .
تضمن برنامج الزيارة جولةً لقاعدةٍ جوية، شرح أثناءها الضابط المرافق أنواع الطائرات، ومداها وقوتها متفاخراً أنه قاد إحداها في حرب العراق. همهمت إحدى الفلسطينيات أن الـ {اف 16}هذه قصفت منزلها. همست صديقتها السورية أعلني ذلك في القاعة. وأثناء التجوال تنامى لأذن الفتاة السورية، حديث أحد الضبّاط لآخر أنه اختير ضمن المجموعة الذاهبة الى سورية .إن كان هناك من عملية جوية. هنا ارتعدت فرائص الفتاة خوفاً على وطنها.
احتقنت لكنها تحلّت بضبط النفس لحين الدخول للقاعة، وهي تتمنى صفع الرجل الذي لم تر فيه إلا قاتلاً لشعبها.
في القاعة كما بعد كل جولة، يبدأ الحوار عن مشاهدات الطلبة. قالت الفلسطينية أنت تفخر بقيادتك للطائرة {إف16} وهي ذاتها التي قصفت دارنا واستشهد أهلي تحت الركام. ساد الوجوم الحضور وطأطأ الرجل رأسه. وبدأت الأسئلة المحرجة تنهال عليه حول حرب العراق .
يعترف أنها غلطة. وقد تخطئ قرارات الدول كما يخطئ الأشخاص. سُئِل لو طلب منك أمر لست مقتنعاً به ماذا تفعل؟ أجاب ليس لي إلا التنفيذ.
ولما تهافتت عليه الأسئلة المحرجة كانت معظم أجوبته {I don,t now } …
وقفت الفتاة السورية بشموخها سائلة مارؤيتكم تجاه سورية؟ كان الرد سندع سورية لشأنها مادامت المعارضة والإئتلاف قادرون على فعل شئ على الأرض وكذلك النظام. حتى يجدوا حلاً وتسوية بادرته لكنكم تسلحون المعارضة التي تقتلنا. أجابها وروسية تسلح النظام. تابعت سائلة لكني سمعت أن قوة عسكرية جوية تتأهب لسورية…أجاب نحن أخطأنا في العراق. لكننا خلّصنا ليبيا من القذافي، بطلب من الجامعة العربية .
أما سورية فلا نيّة لنا بالتدخل مادامت المعارضة قادرة على فعل شيء على الأرض، حتى يتم الإتفاق بين الأطراف انفعلت الفتاة وقالت نحن نُقْتَلُ بسلاحكم.. لكننا لن ننتهي ولن ننهزم.
خيّم الصمت في القاعة وأنهى الضابط الجلسة. ومن حسن الحظ أن الوفد كانت مغادرته في اليوم التالي .
طلبةٌ في عمر الورود لكنهم جنودٌ وسفراء حقيقيون لوطنهم. كلماتهم قصمت ظهر الأمريكي في عقر داره .خاصة عندما طلب من الوفد التعريف كلٌ عن علم دولته وإلى ما ترمز ألوانه.
فكان القاسم المشترك أن اللون الأحمر يرمز لدماء الشهداء. فجاءهم الجواب منه أن علم إسرائيل لا أحمر فيه لأنها دولةٌ ديموقراطية مسالمة.
انتفضت الصبية السورية مجاهرة لكن أيديهم هي الملطخة بدمائنا .
قُدِمَتْ إغراءاتٌ للطلبة السوريين للبقاء هناك بحجة سوء الأوضاع في سورية. باغتهم الرد دعونا لذاتنا بسلام، شكراً لكم نحن لانستبدل وطننا.
في المقابل مع الأسف مازال البعض يغمض عينيه، فينأى بنفسه عما يحدث .
أما من حسم أمره فهم على مستويات، الأول يعطي كل ما يملك دمه ولده جهده لوطنه بضمير حي . أما الآخر فيحب وطنه على طريقته، ممسكاً بسكين ثلمة يحز بها رقاب من حوله، أوطعناً في الخاصرة. والثالث يرفع بيده سوطاً يجلد به ظهر أخيه تشفياً وأيضاً حباً بالوطن.
وكأنهم بأطيافهم هذه وحدهم المُخْلِصون والمُخَلّصون وتتوارى لدى البعض مكامن (لاتصيبن الذين ظلموامنكم خاصة).
في حب الوطن لابد تنتفي الأحقاد. والسعي لخلاصِهِ يحتاج لَمَّ الصفوف وتجميع القلوب. فكم من كلمة لمّت الشمل وهيأت لصنع الانتصارات بجرعات مكثفة. خير أمثلتها كلمات سيادة الرئيس عامة. وكم من كلمة قدلا تحسب نتائجها تجرح وتفرق، بدلاً من أن تجمع. وكم من كلمة تُبلسِم الجراح المثخنة، وتمسح الأحقاد وتغسل النفوس بالماء والثلج والبرد. وتطفئ النار لتكون برداً وسلاماً كما كانت لإبراهيم عليه السلام .لأننا الشعب الذي تعود على المسامحة، بل فطر عليها. رغم كل ما في الوطن من دم ورغم كل تضحيات جيشنا الأبي، والمدنيين الشرفاء، ومن استشهد بلا ذنب. رغم كل هذا دعا سيادة الرئيس الى أننا لابد نسامح وأساس التسامح الاحترام .القيمة المثلى في القيم الإنسانية.
لأجل الوطن ولأنه الأغلى، لابد من إعادة بناء النفوس وتنقيتها من كل الشوائب لحماية الوطن وأبنائه.
أما التهجم والتهكم ورمي التبعات، فلا تبرئة لأحد منها. الكلّ مسؤولٌ كلٌ من موقعه .
الوطن مسؤولية الجميع بلا استثناء في مواجهة المؤامرة .
لأنها لم تُنْصَبْ لنا وحدنا.هي على الأمة برمّتها، تشهد لها الساحات. وإن كانت سورية محرق دائرتها.
يقال في التاريخ الثورة تأكل أبناءها، تلك هي الثورات الحقيقية. وليست هذه التي يدّعيها القتلة، الثوارالمزيفون، إنهم قوارض تنشر الطاعون حيثما حلّت .
إن ثورة البعث العظيم تحتاج اليوم كما كل يوم، رصَّ الصفوف التي لم تتفكك عبر الأزمة، وإن كان من خلخلةٍ ما، فإنها طبائع البشر. فمن سقط من ثقوب غربال الأزمة، قِلةٌ قليلةٌ لابد أنها تعيش اليوم أقسى حالات الندم. أما الأنقياء فهم مئات من الألوف المؤلفة. ولولا تماسك قياداتهم في تسلسلها، لحدث ما حدث كما في دول عظمى، انشقاقات شرذمت الحزب الواحد بعد تمسك دام أكثر من نصف قرن .
إن وحدة الصفّ البعثي الذي أنتج قياداته المختلفة خلال سنوات مواجهة المؤامرة، ومنذ اللحظات الأولى.. هو الذي جعل الصمود الشعبي يتنامى، ويردّ الكثيرين إلى جادة الصواب.
وكان الظهير المتين للجيش العربي السوري الذي يفخر مقاتلوه أنهم من صفوف البعث العظيم. هذا الذي يدافع بكل اقتدار عن وطن مستهدف يراد تحطيمه. أو على الأقل إدخاله العناية المشددة منهكَ القِوى واهناً لسنوات طويلة.
ينسى هؤلاء بذواكرهم المصابة بالزهايمر، أن هذه هي سورية القادرةُ على القيامة من جديد. والبعث فيها العمود الفقري الذي يجمع مع عظم القص الأحزاب العريقة وفي أضلاعه الأحزاب الوليدة لتواجه الريح العاتية. ولن تكون سماء سورية مستباحة لأي كان .
إنها سورية أيها السادة … أيها الرفاق البعثيون… البعث يسري في نسغ عروقنا.. رفقاً ببعضنا البعض …
ولنكرس الإحترام الذي تعلمناه في أبجديات سالف الايام، ليكون جامعنا للدفاع عن سيادتنا حتى الرمق الأخير.
أما ضرب السياط ،لابدّ يوجه لظهور الأعداء أيها الأحبة.
نحن الذين رُبينا في مدرسة القائد الذي مازال يشهد التاريخ عظمته على الوفاء الذي زرعه فينا.
أما التسامح الذي تعودناه غرساً طيباً مع قائدٍ عظيمٍ، هو اليوم وكل يوم في المقدمة من شعبه، هي سلوكيات لايبدلها الزمان مهما اختلفت الآراء والرؤى لأنها مسكونة فينا وهي أهم الحوامل التي أسقطت معظم عناصر المؤامرة التي كانت تستهدف =أولاً تحطيم حزبنا العظيم من الداخل بالتفريق مابين القلوب. فلنحافظ على جمعنا بحكمة الحرف والكلمة يتوّجها الفعل =والثانية بإسقاط ماأرادوا زرعه بيننا من شقاق طائفي بغلاف ما يدعى بالحرب الأهلية .
أما أهم عوامل نصرنا، عزيمة القائد الذي مازال يثبت للعالم أنه بصموده مع شعبه لايمكن التخلي عن وطن يسكنونه ويسكن ذواتهم. فلتسكن محبتنا واحترامنا لبعضنا البعض مثل سكناه في شغاف القلب .
لايمكن لمن يحب سورية وقائدها إلا أن يترفع عن صغائر الأمور ليسمو بحب الوطن .
سيظل هذا الشعب العظيم حاضناً لحماة دياره.
البعث قلعة الوطن وحصن الأمة التي ندافع اليوم عن بقائها وكرامتها. أيقونة ثلاثية يقودها القائد الأسد تصنع نصر سورية .
لو لم يكن البعث القدوة التي تربى على ضفافها أبناء الوطن، ونهل من معينه شبابه، ورفع رايته رجالاته وسيداته ، رغم مامر به من هنّات، ورغم سقوط البعض كما تسقط بعض أطراف الجسد المصاب بالغرغرينا، وأوراق الشجر الصفراء، هذه المريضة سقطت من حساب شباب الوطن وفتياته. وإلا لما تجرؤوا مواجهة الأمريكي في عقر داره، بغير خشيةٍ رغم التحذير. إننا السوريون الذين نؤمن أنه كلما ضاقت واستحكمت حلقاتها فرجت، وكنا نحسب أنها لاتفرج .
فرج النصر قريب بعون الله مادام العبد في عون أخيه. مادام فينا قائد قدوة يغرس الحب والوفاء، والتسامح والاحترام وشعب عظيم يعرف معنى القيم.
وجيش تؤدّى له التحية، ويقبل التراب الذي يطأه. أما البعث القوي بمبادئه وقيمه وسلوكياته ،وإن اهتزت لدى البعض فهي العابرة في زحمة العاطفة، لأن الأصل الطيب لا ينبت إلا طيباً.
الأحزاب في جلّها هي الكيان الجامع لأبناء الوطن. لا حيادية في حبه .
إما الحب. وإما الخيانة. التصنيف الذي ينال الآخرين بلا أسف عليهم.
الأبيض أبيض..والأسود أسود. والرمادية لامكان لها في حبّك سوريّتنا الغالية .

السابق