ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
أميركا تقلب الحقائق.. توصيف روسي مباشر لحالة سياسية تمارسها الإدارة الأميركية علناً وتدفع الدبلوماسية الروسية إلى الحديث عنها بهذه الصراحة، وعلى لسان الناطق باسم الخارجية الروسية بما ينطوي عليه الموقع في الأعراف الدبلوماسية.
بالتأكيد.. ليست المرة الأولى التي تقلب فيها أميركا الحقائق، ولن تكون الأخيرة، فقد مارست سياسة النفاق والكذب المفتوح، واقتضى الأمر في أحيان كثيرة ما هو أبعد من قلب الحقائق، عبر اختلاق ما هو غير موجود لتبرير كذبها ونفاقها، أو لتسويغ تهربها من الحقيقة.
لكن الحديث الروسي عن قلب أميركا للحقيقة ليس وضعاً للنقاط على الحروف على أهميته فحسب، ولا يقتصر في رسائله المتعددة الاتجاهات على جانبه السياسي، كما أنه غير محصور في الجانب الأخلاقي على ما فيه وما عليه، بل يتحرك عميقاً في أبعاده ليصل إلى جوهر الرؤية التسويغية التي تحكم السياسة الغربية وروادها ومعتنقيها كمبادئ إرشادية لا تتوقف على الممارسة التبريرية القائمة على قاعدتها النفعية والمصلحية، وموقف الآخر منها الذي بات يوماً نداً فعلياً على ساحة المواجهة الدولية.
والحديث الروسي أيضاً بهذه العلنية، وإن انطوى على رسائل ثنائية البعد، لها ارتباط مباشر بالعلاقة بين الطرفين في حرب تسجيل النقاط المشتعلة هذه الأيام، فإنه وفق الكثير من التحليلات السياسية يشكل تحضيراً مباشراً لمواجهة سياسية قادمة تشي بأن التفاهمات السابقة كما هي الحالية القائمة باتت في مهب الريح، وتحتاج إلى إعادة تجديد بحكم ما تعرضت له من انتهاكات كان مصدرها الكذب الأميركي والنفاق وصولاً إلى قلب الحقائق.
فالإدارة الأميركية التي تضغط عليها الخيارات الضيقة بعد أن حشرتها دبلوماسيتها المتأرجحة وأدواتها المتهالكة- الجديدة منها والقديمة- في الزاوية الضيقة، تشعر بالحرج السياسي الناتج عن احتراق العديد من الأوراق التي راهنت عليها، فيما تواجه على الضفة الأخرى مأزق الارتباط بأجندات مرتزقة دفعت بالسياسة الأميركية إلى قاع لم تقبل به سياسات الدول الناشئة، وحتى بعض الدول الميكرونية رفضت أن تكون جزءاً منه، في ملامسة جديدة لقاع لم تشهد السياسة الدولية ما يشابهه منذ وصول الولايات المتحدة الأميركية إلى حلبة الكبار في السياسة الدولية، رغم كل ما أحاط السياسة الدولية من مفازات وتجاوزات على مدى عقود خلت.
وكما هي أميركا في هذا القاع وذاك الحضيض سياسياً وأخلاقياً، كان من الطبيعي أن تنتج أدوات ومرتزقة من المعيار ذاته في الدونية، وأن يكون إرهابها أيضاً بالمقياس ذاته.. حيث لا سقف له، وقد فرضت تنظيماته مشاهد توحش لا حدود لها، وما يجري في سورية وغيرها قرينة لا تحتمل التأويل!!
ورغم تأخير الفرز النهائي في قطبية المشهد الدولي، فإن هذا التوصيف الروسي المباشر والذي يحمل لغة اتهام بقرائن جازمة ودامغة، سيترجم تلقائياً إلى استبدال المصطلحات التي تمليها الخصومة السياسية، وقد تكون العداوة أيضاً.
على الكفة الأميركية لم تكن هذه العداوة غائبة عن الممارسة السياسية، وكانت الشخصنة في المواجهة في تصاعد واضح، سواء في الرسائل المرمزة أم عبر الاستخبارات وصولاً في نهاية المطاف إلى المباشرة في الاستهداف الشخصي التي انزلقت على لسان الرئيس أوباما في سلوك دبلوماسي غير معتاد حتى في أخطر مراحل الحرب الباردة.
ما هو واضح أن قلب أميركا للحقائق كتعبير عن كذب صريح لا يقبل الشك ولا النقاش، يعني في أبسط التعابير السياسية أن أدواتها ومرتزقتها وتابعيها من دول وقوى وحتى أفراد لم يكتفوا بالكذب فقط، ولا بما ينطوي عليه، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك، ومن الطبيعي أن يرتكبوا كل الموبقات صغيرها وكبيرها، ما دام ملهمهم الأميركي كاذب ومنافق ومخادع سياسياً وأخلاقياً وإنسانياً.
وإذا كان سلوك الإدارة الأميركية يشكل فعلاً مشيناً في الأعراف السياسية والدبلوماسية، فإن ما ارتكبه مرتزقتها وأجراؤها وحتى حلفاؤها التقليديون والطبيعيون ينحو باتجاه إجرام إرهابي موصوف تجاوز هو الآخر كل ما سبقه من إجرام، وكل ما تم اقترافه في عهود البشرية، واليد الأميركية ليست بريئة، بل كانت شريكة لذلك الإرهاب، وأحياناً سابقة له، ومحرضة عليه ومشجعة على تمويله واحتضانه، وهي التي جيرت الكون كله لادعاء محاربته في محفل نفاق لم تعهده البشرية!!
a.ka667@yahoo.com