افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
في السنوات الماضية -نهايات ولاية باراك أوباما، ضمناً ولاية دونالد ترامب- صعّدت الولايات المتحدة خطواتها الاستفزازية تجاه روسيا والصين تَحديداً، واتّخذت خطوات حَمقاء من شأنها توتير الأجواء العالمية والإخلال بالتوازنات القائمة على نَحو غير مَسبوق، كان من بَينها إحداث تَغييرات في العقيدة القتالية التي تقوم أصلاً على ركائز غير مَقبولة ولا شرعيّة تتناقض مع القوانين الدوليّة.
مع إحداث الكثير من التغيير غير المقبول إيّاه، صار المُعلن أكثر وَقاحة، وأصبحَ التدخل الأميركي في أربع جهات الأرض أكثر استعراضاً يَنطوي على عَبثية تتعاظم يوماً بعد آخر، فكان لا بُدّ من لهجة أُخرى تُظهرها القوى الدولية والإقليمية التي تُهددها الولايات المتحدة وتَستهدفها، إلى جانب استهدافها للنظام الدولي برمته.
(الحروبُ التجارية)، (الدرعُ الصاروخية)، (إحكامُ السيطرة على الناتو، إذلال أعضائه، وتَسعير نبرته)، (سَوقُ اتهامات لا أساس لها لروسيا والصين والتدخل بالشؤون الداخلية لمَجاليهما الحيويين وتَهديد أمنهما القومي)، يُضاف إلى ما تَقدّم الاستثمارُ الأميركي القذر بالإرهاب وحماية تنظيماته في المنطقة، كانت وما زالت عناصر أساسية أو مُكونات مَركزية في سياسة واشنطن التي لم تتوقف عن تَسخين الوضع هنا وهناك، ولم تَكف عن مُحاولة خلق بؤر توتر أُخرى لتتطاول معها يَدها العابثة بأمن واستقرار العالم.
قد يَتساءل البعض عن الدوافع التي تَجعل الولايات المتحدة تُبدي هذه المُستويات من التدخلات غير المُبررة وغير المَشروعة، فضلاً عن ارتكابها الحماقات غير المَسموح بها! هل تَقتصر دوافع واشنطن على ما يُمكن استحضاره من أبشع ما تَختزنه ذاكرة العالم عن أطراف دوليّة لم تَكن يوماً إلا مُستعلية مُتطرفة أنانية لا تُقيم وزناً للآخر ولا تَعترف به، بل تَنظر إلى مسألة فرض سيطرتها على أنه وجوب واجب يَكتسب مَشروعية لا يَنبغي أن تُقاوم، بل يجب على الآخرين الخضوع والاستسلام لإرادتها الاستعمارية؟.
في الحقيقة، إنّ ما تَقدّم يُعدّ من المُسلمات وفقاً لمَنطق التفكير والتخطيط الأميركي -راجعوا بريجنسكي وسواه- غير أنّ الدافع الأميركي الأهم لعَلنيّة ارتكاب الحماقات في كل الاتجاهات، يَتلخص بخَشية واشنطن مما يَنتظرها كطرف صار لزاماً عليه أن يَنزل عن أحاديته المقيتة العابثة التي شوّهت العلاقات الدولية والنظام الأُممي وهددت بُنيته وتَوازناته المُختلة أصلاً.
تَصريح روبرت أوبراين مُستشار الأمن القومي الأميركي الأخير ليس آخر الأدلة التي يُمكن سَوقها للدلالة على خوف الولايات المتحدة من حَتمية نُزولها عن القطبية الأحادية، وقلقها من الاستحقاقات التي تُقدّم لإنهاء حقبة الاستفراد والتفرد، التي من شأنها أن تَضع حداً لسياسات البلطجة والعدوان والنّهب والمصادرة والشطب والإلغاء التي تَنتهجها واشنطن.
(سَننشر إذا لزمَ الأمر صواريخ فَرط صوتية، وصواريخ مُتوسطة وقَصيرة المَدى في أوروبا لاحتواء روسيا)، يقولُ أوبراين، فما التهديد الروسي الواقعي لأميركا؟ ولماذا يجب على أميركا أن تَحتوي روسيا؟ وما الذي يُبرر لها اتخاذ إجراءات الاحتواء خارج حدودها فيما يُمنع على الآخرين تَعزيز قدراتهم الدفاعية داخل حدودهم التي تُهددها الولايات المتحدة؟!.
على العالم أن لا يَكتفي بطرح العديد من هذه التساؤلات الصعبة والمَشروعة، بل عليه أن يبحث عن إجابات لها لا تَنأى عن الواقع ولا تَبتعد عن المبادئ التي قام عليها النظام الدولي، وإلّا فإنّ التّخلي عن ذلك، والتّخلف عن القيام بترجمة الإجابات أفعال وخطوات من شأنها أن تَردع واشنطن، سيُشكل أحد أبرز الأسباب التي تَجعل الولايات المتحدة تَستغرق في تَجاوزاتها وتُبالغ في تَمردها، فلا تَندفع فقط لارتكاب حماقات إضافيّة، إذا ما مَررها العالم فإنّ مُجرد تَمريرها والسكوت عنها سيُعزز موقف واشنطن الرافض لأيّ تَخل عن أحاديتها وعنجهيتها واستفرادها!.
الزيادات المُتصاعدة سنة بعد أُخرى في قوانين المُوازنة الحربية للولايات المتحدة بفَوارق فَلكية – 738 مليار دولار للعام 2020 – مَشفوعة بالمُخططات العدوانية الشريرة والإجراءات الهجومية المَفتوحة على جميع المجالات والجبهات، لا تُخفي حقيقة النيّات الأميركية المُعلنة والمُبيتة، بل تُظهرها على السوء كله وتَكشفها وتُعري ادّعاءاتها الكاذبة، وبالمُقابل تَفرض تَحديات عظيمة كبيرة على جميع الأطراف الدولية ومن دون استثناء.
أميركا تَحولت وَباء، صارت خطراً داهماً – تابعوا جنون الديمقراطيين والجمهوريين ومَضامين الحملات الانتخابية الرئاسية، ترامب بايدن – أميركا هي الخطر الذي لا يَجوز تَجاهله، لا ينبغي الاسترخاء والتقليل من شأنه، ولا التّخلف عن مُواجهته.