الثورة أون لاين:
ازداد عدد سكان العالم أكثر من سبعة أضعاف خلال قرنين تقريباً، من مليار نسمة في عام 1800 إلى نحو 7.8 مليارات نسمة اليوم.
فقد أصبحت المدن موطناً لنحو نصف سكان الأرض، بفضل فرص العمل، ونوعية الحياة الأفضل المتوافرة فيها، إلا أن هذا الأمر جعل المدن مزدحمة بكثافة سكانية هائلة، ما يجعلها مدناً غير مستدامة، لأنها تحتل الأراضي لبناء المساكن والطرقات، وتسير فيها السيارات لمسافات طويلة مؤدية إلى زيادة تلوث الهواء واستهلاك الطاقة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، حتى إنها مسؤولة عن 70% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية.
حيث للمدن تأثير كبير في صحة الإنسان وجودة الحياة، إذ أظهرت الأبحاث أن تلوث الهواء يخفض متوسط العمر المتوقع للإنسان، وتوصف مدن كثيرة اليوم بأنها «غابات خرسانية»، ويعاني سكانها من البعد عن الطبيعة، فترتفع معدلات الاكتئاب والتوتر والقلق وسط تفشي جائحة عالمية لاضطرابات الصحة العقلية، ما يسهم في ارتفاع معدلات المرض والإعاقة في مختلف أنحاء العالم.
وأظهرت الأبحاث أن تمضية بعض الوقت في الطبيعة قد يكون ترياقاً لضغوط الحياة الحديثة، ولذا تزايد الاهتمام بالتصميم البيوفيلي، وهو مصطلح صاغه المحلل النفسي إريك فروم في عام 1973، واستُخدم أولاً ليعبّر عن حب الكائنات الحية، وطُبِّق لاحقاً في مجال التخطيط الحضري ليعبر عن التصاميم التي تدخل فيها البيئة الطبيعية، ويركز التصميم البيوفيلي على كيفية تفاعل المباني مع العناصر الطبيعية، ومنها الهواء والضوء والماء والنباتات، لتقديم تجربة يشعر فيها الإنسان بالارتباط بالطبيعة، وبالإمكان تعزيز هذه التجربة عبر الاهتمام بتفاصيل التصميم والألوان والمواد والأشكال، ودمج هياكل الأبنية مع محيطها الطبيعي.
انتشر هذا التقدير المستجد للتصميم البيوفيلي بفضل فوائده الكثيرة وقدرته على تحسين الظروف المعيشية لسكان المدن، بدءاً من الفوائد الاقتصادية إلى الفوائد الصحية والبيئية، ومساهمته في الاستدامة.
ووثّق الخبراء التأثير الإيجابي للتفاعل مع الطبيعة على الصحة العقلية والبدنية، ودور ذلك في تقليل التوتر، وزاد ذلك جاذبية التصميم البيوفيلي لدى مقدمي الرعاية الصحية وفي أماكن العمل، إذ ثبت أنه يزيد إنتاجية العمال، ويؤكد العلم تأثير النباتات والحيوانات في تقليل مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض، ما يحسّن جودة الهواء ويجعل المباني أكثر استدامة، وثبت أن التصميم البيوفيلي يجذب أعداداً أكبر من الزائرين إلى الأماكن العامة وأماكن البيع بالتجزئة، ويسهم في الحد من الجرائم.
تتضمن سنغافورة بعض أشهر الأمثلة على التصميم البيوفيلي في العالم، ويسميها كثيرون «غاردن سيتي»، أي مدينة الحدائق. ويعد مطار شانجي في سنغافورة مثالاً على هذه التصاميم، ويضم أكبر شلال داخلي في العالم و2000 شجرة في «فورست فالي»، وأصبح معلماً سياحياً بحد ذاته.
ويعد مستشفى «كو تك بوات» في سنغافورة مثالاً آخر، وهو منشأة طبية بيوفيلية، وتبلغ مساحته 3.5 هكتارات، وأثبت كفاءته في تقليل استهلاك الطاقة بنسبة 50%، وبدأ هذا الاتجاه في الانتشار في صناعة الضيافة أيضاً، إذ تتبنى فنادق كثيرة اليوم تصاميم بيوفيلية، ومنها فندق بارك رويال الشهير، وحُدِّدت معايير وشهادات للاعتراف بتطبيق التصاميم البيوفيلية.