بكل تأكيد الحرائق التي اندلعت الشهر الفائت، والتهمت أحراجاً وحقولاً واسعةً إنما تشكل كارثة وطنية بالمعنى الإنساني أو بالمعنى الاقتصادي أو بالمعنى البيئي، لاسيما إذا ما علمنا أن هذه الحرائق الضخمة قد أتت على آلاف الدونمات من الغابات والأراضي الزراعية في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص الأمر الذي يدفعنا للقول: إن تشكيل الغابات كالتي احترقت يحتاج إلى سنين طوال، لما كان لها من فوائد عديدة فهي ليست مجرد أشجار ومناظر خلابة، بل تحوي نباتات عديدة مفيدة، فكما هو معروف فهي تسهم في تحسين الصحة البشرية والنفسية لدى روادها وتخفف من القلق والتوتر كما تساهم بمعالجة الأمراض فيزيائياً ونفسياً أو اجتماعياً وعندما تحترق الغابات فإننا نفقد فرصة الاستفادة منها في معالجة بعض الأمراض النفسية، ناهيك عن أثارها المهمة على البيئة فهي تسهم في تلطيف الجو، وتساعد على عدم انجراف التربة، وسقوط الأمطار، هذا بالإضافة لفوائدها السياحية.
طبعا الحرائق قضت على أجزاء كبيرة من مواسم الزيتون، والتفاحيات واللوزيات، وجزء من مواسم الحمضيات، التي تشكل المورد الاقتصادي الأساسي لسكان المنطقة، وهذه تحتاج لزمن طويل كي تعود إلى ما كانت عليه قبل ذلك، ناهيك عن الخسائر التي أحدثتها لسكان المنطقة بكل المقاييس.
وإذا ما أردنا الحديث عن نتائج هذه الحرائق لابد من القول: إن تلك الحرائق التي طالت الحراج والأراضي الزراعية تلفت النظر إلى جملة من المسائل، أولاها وأهمها:
ضعف الاهتمام والتعتيم على هذه الثروة الأمر الذي ينعكس في بيانات وإحصاءات رسمية غير دقيقة تثبت مساحة الغابات في سورية، وتعكس إخفاء الوقائع أو التعامي عنها أو بالحد الأدنى عدم الاهتمام والتقدير لحجم هذه الثروة.
وثانيها: فإن الحرائق تعكس أيضاً تراجع القدرة على إدارة أزمات من هذا الحجم، وهي أزمات متوقع تكرارها في ظل ظروف سياسية تدفع جهات مشبوهة إلى إثارة الفوضى بأي طريقة، وظروف مناخية ترفع معدلات الحرائق، وظروف اقتصادية تدفع إلى توسع النشاط غير المنظم والجائر، الذي يستهدف هذه الثروة، والذي يمكن أن يكون مسبباً في إيقاد الحرائق عبر المشاحم، أو عبر الرغبة بالاستيلاء على الأراضي الحراجية وتحويلها للاستثمار .
إن إدارة هذه المناطق بطريقة فعّالة تتطلب قدرات إنفاق وخطط أزمات وكوارث وتجهيزات، ولكن الأهم أنها تتطلب وعياً لحجم كارثة من هذا النوع وأثرها المستقبلي، فهي تتطلب وجود مفهوم وطني للتعامل مع البيئة، وتتطلب أيضاً إيجاد سياسات تربط السكان المحليين بهذه الغابات، وتدفعهم لحمايتها عبر استفادتهم المنظمة منها، وليس عبر دفعهم تحت وطأة الفقر للجور عليها تحطيباً وتفحيماً وتعدّياً تحت غطاء كبار التجار والسماسرة.
حديث الناس – إسماعيل جرادات