كل حين بات لدينا روما المحترقة… واستنسخ العشرات من نيرون..!
وإن غابت صور نيرون وهو يحرق روما، إلا أن “نيرونات ” العصر الحديث، ترصدهم الأقمار الصناعية، وتبث أفلاماً كاملة عن جنونهم..!
ملايين الصور تنهمر، وما بين غرف التحميض المظلمة، وأنوار موبايلاتنا، اختلف الكون كله، واختلفنا معه…
الصور اليوم تأتينا بكثافة، لتصدر احتراقنا أمام الكون كله… فما الذي يحدث.. أي أثر تتركه…؟
خاصة صور رماد الحروب وخرابها، تلك الصور التي تقتحم ذاكرتنا وتستقر كجزء منا، حتى وباء الكورونا الذي توقعنا أن يعيدنا إلى إنسانية مفقودة، عاجلنا بتحجر مذهل.. وآلاف الفيديوهات التي بثت عن الوباء، وربطتها تارة بالتخلص من الكثافة السكانية، وتارة أخرى بتدجين البشر عبر اللقاح وفقاً لأجندات متباينة، وكأن هناك قوة خفية تسير بالكون كله إلى الهاوية…
ما الذي تفعله الصور حين يكون الكون مظلم وقاسٍ إلى هذه الدرجة..؟
هل تؤرخ اللحظة… هل تعيننا على تجاوزها.. هل تنبهنا على ضرورة فعل ما..؟
ولكن ما الفائدة إن لم تفعل سوى المزيد من تراكم صور ينتهي مفعولها آنياً…؟
تداعيات الصور سببها، الاحتفالات العديدة بأفضل الصور، آخرها الاحتفاء باليوم العالمي للتصوير، حيث توزع جائزة “أفضل صورة في العالم”، ضمن فئات محددة…
حين نتابع تلك المسابقات نلاحظ أن أكثر صورنا المتداولة بعد الجوائز أو قبلها، تلك التي تصور خراب بلادنا، حالات ابتلينا بها، حتى نكاد نشبه ذاك الصبي الافريقي الهزيل، الذي كان ينتظر الصقر موته كي ينقض عليه ويأكله..
حين فتحت الانترنت على أهم الصور التي تفوز بجوائز بمناسبات عالمية، لم أتمكن من النوم، طاردتني خيالاتهم وتفهمت سبب انتحارالمصور كفن كارتر الحائزعلى جائزة ال Pulitzer ، بعد أن صور طفل سوداني يعاني من سوء التغذية، وخلفه نسر يقف على بعد أمتار من الطفل منتظراً موته حتى ينقض عليه…
الصور اليوم تبث بالثانية وكلها تصلح لأن تكون طفل المجاعة أو تلك الطفلة الكولومبية اوميرا سنشيز التي ظلت حبيسة المياه والاسمنت لمدة 3 أيام أثر بركان نيفادو دلرويز، ولم تتمكن الأيدي من إنقاذها فماتت تحت أنظار العالم..!
نحن على مرأى من الجميع تزدان الصور بموتنا في إعلامهم.. ونطبل لها بلا وعينا..
تمر المناسبات وتتكاثر الذكرى علينا.. ويضيق صدرنا عن استيعاب رحابة كون.. لم تعش لها بلداننا يوماً، نكاد نختنق لماذا لم تتمكن صورنا من الدخول في أبواب أخرى تعنى بجمال الحياة وفرحها، لتلك المسابقات المحمومة التي تتاجر بأوجاعنا..!
انهماكنا في كوارثنا الذاتية، عدم قدرتنا على امتلاك الوقت لرفع رؤوسنا وأخذ نفس بعمق، كلها تبدو مبررات غير مقنعة لعدم رؤية صورنا وصور الآخر..
فكيف بعالم في الجزء الآخر من الكرة الأرضية، هو يتغذى يومياً على هذه الصور، ويمنح لها الجوائز في أعيادها.. مصرعلى إيقاد الجمر مجدداً كلما خفتت حدة الصور.. وبالطبع نحن نستجيب بسرعة تدهشه…!
رؤية – سعاد زاهر