من المفارقات الراهنة، ذلك الموقف الفرنسي الصادر عن الرئيس إيمانويل ماكرون تجاه الجريمة البشعة التي ارتكبها أحد الإرهابيين بحق مدرس تاريخ فرنسي في مدينة نيس، فقد شن ماكرون هجومه على الإسلام (كل الإسلام) واصفاً إياه بالإرهاب، متناسياً في ذات الوقت موقف حكومته وأجهزته الاستخباراتية، وممارسات إدارته الداعمة للإرهاب وللإرهابيين، بدءاً من القاعدة والنصرة وصولاً إلى داعش، وما زالت إدارته تدعم ذات الإرهابيين في سورية والمنطقة، وتسهم بشكل كبير في تشغيل وإعادة توظيفهم بمهمات جديدة تخدم المشروع الذي ما زال العمل فيه متواصلاً منذ قرابة عشر سنوات بصورة علنية، وذلك بعد سنوات من العمل السري سبقت العمل التنفيذي المسمى زوراً بالربيع العربي.
صحيح أن الموقف ليس غريباً أو مستهجناً من جانب الغرب الاستعماري، وصحيح أن عقلية الاستعمار القديم ما زالت تعشش في أذهان خرقى السياسيين في القارة العجوز، وصحيح أن أولئك الساسة ما زالوا يعيشون في ذكريات ويوميات أيام الاستعمار القديم، وصحيح أنهم ما زالوا يتوهمون قدرتهم على استعادة سرقة ثرواتنا الوطنية، لكن الأمر قد يبدو غريباً أن يأتي من شخصية سياسية فرنسية بالذات، وخاصة من رئيس البلاد، فأي منحدر يسلك ذلك الشخص الذي يضع مكانة وتاريخ بلاده (وهو الجزء المضيء من تاريخ فرنسا) يضعه في أحط وأدنى المراتب، وأي ثقافة سياسية يدعو لها (خليفة دعاة الحرية والمساواة) بعد أكثر من مئتي سنة ونيف على ثورة شعبه، التي مثلت الحافز والمثل والنموذج لجميع أشكال التحرر في جهات الأرض الأربع.
إنها خلفية الاستعمار الحاقد التي لم تخفيها تلك السنوات الطويلة من ادعاءات الحرية والعدالة والمساواة، وادعاءات احترام حرية الآخرين، والأهم من ذلك عدم أخذ الجماعة بجريمة الفرد.
نعم إنها خلفية الاستعمار القديم الذي لم يستطع التخلي عن ذلك الثوب العدواني، فقد هلل لنفس الإرهابي وأيده ودعمه، وقدم له المال والسلاح، ووصفه بالثائر المطالب بالحرية، خدمة وتبريراً لأهدافه في إعادة السيطرة المفقودة على بلادنا، لكنه اليوم يظهر العداء لشعوب كثيرة، ويشعل فتيل حروب وفتن، ويدعو للقتل على المعتقد والعداء على العقيدة مؤذناً بحرب لا تنتهي.
ليست فرنسا بعاصمتها باريس عاصمة النور والتنوير ومنطلق الحرية والديمقراطية في العصر الحديث التي ترتضي لأي من سياسييها أن يعيدها إلى عصر الهيمنة والسيطرة والاستعمار وارتكاب المجازر، فذلك عهد مضى رغب الفرنسيون في تجاوزه، ليأتي ماكرون وينبش في تاريخه القذر فينشر روائح الحقد والكراهية بين شعوب الأرض.
معاً على الطريق – مصطفى المقداد