لا شك أن ثمة استراتيجية أميركية سار ويسير عليها الرؤساء الأميركيون كافة ولكن ثمة فارق في تنفيذ تلك الاستراتيجية أخطرها استخدام القوة أو التلويح باستخدامها سواء كانت عسكرية أم اقتصادية وقد حذر قادة أميركيون مرارا من انتهاج تلك السياسات وانعكاسها على أميركا أولا ودول العالم ثانيا ومن هؤلاء الرئيس الأميركي الأسبق دوايت ايزنهاور والذي حكم الولايات المتحدة الأميركية في أصعب فترات الحرب الباردة، وهو صاحب المشروع الذائع الصيت مشروع إيزنهاور أو سد الفراغ في المنطقة العربية فقد حذر في آخر خطاب له عند انتهاء ولايته في 17 كانون الثاني عام 1961من سياسة غطرسة القوة أو الانجراف وراء المشروع الإمبراطوري الأميركي الذي يقوده المجمع الصناعي والمالي تحت وطأة البحث عن مزيد من الثروة -كما هو حاصل راهنا مع الرئيس ترامب- وبعيداً عن أي اعتبار إنساني أو أخلاقي وقد جاء في خطابه حرفيا: أريد أن أقول لكم إنه في الصراع الذي نخوضه سنواجه أزمات صغيرة أو كبيرة ولكني أريد أن احذر من غواية التوصل إلى حلول متسرعة واستعراضية للقوة، إن كل قرار نتخذه لا بد أن يقاس بالمعايير اللازمة لحفظ التوازن بين الوطني والدولي وبين العام والخاص وبين الحاجة والواجب وأن يكون قرارنا في كل الظروف برهاناً يحفظ السياسة الأميركية من نزعات الجموح، ويضيف ايزنهاور برؤية العارف والقارئ للمستقبل: وعليّ أن أقول إن هناك مجموعة صناعية عسكرية مالية وفكرية تمارس نفوذاً غير مسبوق في التجربة الأميركية وإننا نحذر من وصولها إلى موقع القرار أو التأثير المعنوي والسياسي فيه لأن في ذلك خطراً شديداً على المجتمع الأميركي قبل أن يكون خطراً على غيره لذا لابد من حمايتها ضد النفوذ غير المطلوب وغير المتوازن لهذا المجمع العسكري المالي الصناعي وإلا ستكون العواقب وخيمة وكارثية لأننا نضع سلطة القرار في أيد غير مسؤولة ولا يصح أن تؤتمن عليه.
ولا شك أن الرئيس ايزنهاور وهو قبل ذلك جنرال معروف قاد أكبر الجيوش المتحالفة في التاريخ أثناء الحرب العالمية الثانية وهذا يعني أنه عاش التجربة الإنسانية العميقة للحرب ولم يعشها على شاشات التلفاز أو رسائل تويتر كما هم جنرالات السياسة الجدد وهذا فرق وفارق بين قائد عسكري وآخرين عاشوها على أزرة الكومبيوتر وشاشاته الملونة وكأنهم أمام فيلم روائي سينمائي ولعل ما يجري الآن على الواقع من سياسات أميركية ومشاريع استعمارية واستثمارية تنفيذاً لشهوات النفوذ والهيمنة والتسلط والابتزاز المالي والسياسي التي يمثلها ترامب وفريقه السياسي وبالتنسيق الكامل مع الصهيونية العالمية لجهة أنها تتحكم بحركة الرأسمال العالمي تقريباً وتسعى لتكريس الوجود اليهودي في فلسطين والتحكم بثرواتها ونهبها لعل ذلك كله يؤكد قراءة ايزنهاور وتحذيراته سيما وأن مخاطر تلك السياسات واستمرارها في حال استمرار الرئيس ترامب في سدة البيت الأبيض ما يعني استمرار الدفع باتجاه التوتر والتصعيد وتوفر بيئة لصراعات جديدة وحادة سيما وأنه أصبح لأميركا جيش خطر من الاستراتيجيين وبعض المفكرين في مراكز الدراسات والبحوث الذين احترفوا تهييج القوة واستثارتها حتى يندفع العالم باتجاه الحروب التي هي حصاد العولمة المتوحشة وهنا يصبح السؤال برسم عقلاء أميركا ودورهم في التحذير من نتائج تلك السياسات وأخطارها الكارثية على شعوب العالم ومن بينهم الشعب الأميركي نفسه؟
إضاءات – د خلف المفتاح