ثورة أون لاين _ علي الأحمد :
لم تعد العلاقة بين المال الاسود المُفسد، ،وتدهور الحالة الذوقية والجمالية في المشهد الموسيقي المعاصر ، بخافية على أحد ،حيث تترسخ يوما بعد يوم تلك المقولات الرأسمالية في سوق الانتاج ،وتصبح سمة غالبة في اغلب منتوج ونتاج هذا المشهد ،الذي يحتوي العجائب السوريالية، أين منها عجائب الدنيا السبع، ،مشهد بات مساره التجاري المتسيّد يُكرّس ويفرض، العملة الرديئة ،كخيار حتمي اوحد ،ومعيار مغاير لدور هذا الفن في ألفيته الثالثة ،ففي النهاية “من يدفع للزمار يفرض اللحن الذي يريد” !!!!
– وهو هنا، في هذا المشهد، يفرض لحنه النشاز والقبيح الى ابعد الحدود ،حين يتم اختصار ودور هذا الفن ،بإيقاظ الغرائز الحسية المكبوتة ،وقوننتها بقوة المال ،في مشهد انتاجي وإعلامي، غرائبي أقرب الى العبث والهذيان ، يلعب فيه المهرجون والدجالين والأدعياء، دور النجوم الكبار بعد أن خلت الساحة منهم، ،أهي مصادفة حقا ،ان يكون هذا الفن في عصرنا الحديث ،مدعاة للسخرية والتهريج وتقليد الآخر بشكل “قردي ” على رأي أحد الباحثين العرب الكبار ،لعله قد يكون كذلك بسحر هذا المال الأسود الذي يفرض هذه النوعية الرديئة من الألحان، ،ومع ذلك لابد من أن نضع النقاط على الحروف ،في مسببات أزمة موسيقانا العربية ،أهو عجزها التام، عن الخروج من موروثها القديم نحو حداثتها الحقيقية المنشودة ،ام ان الأمر لايعدو كما يرى البعض وهو محق تماما في ذلك ،ان هناك ثمة مؤامرة موصوفة ومكتملة على الفنون العربية كما على الثقافة العربية برمتها ،وإلا كيف تفسر هذه التبعية العمياء والانقياد القطيعي نحو كل مايشوه حقيقة وروح وجوهر هذا الفن الانساني الأصيل ،صحيح أن هناك قطيعة معرفية حدثت بين الأجيال، تُسئل عنها الجهات المعنية من وزارات الثقافة والاعلام العربية ،كما بطبيعة الحال المعاهد العليا والجامعات التي تخرج الكثير من الموسيقيين الشباب ،الذين يمتلكون طموحات مشروعه واحلام مؤجلة، أقرب الى الطوباوية ،لايجدون ثمة نافذة انتاجية او اعلامية واحدة، لنشر مؤلفاتهم وموسيقاهم البديلة ،فتراهم هائمين يربّون الأمل ويحصدون الخيبة واليأس ،من دون جدوى ،حيث المتاح هذه اللغة التجارية الهابطة ،سليلة هذا المال الفاسد المُفسد ،الذي يحاول ما استطاع اليه سبيلا ،إفساد من لم يُفسد بعد ،عبر مقولته الذهبية المعولمة والمتأمركة الى حد الغثيان والخواء “اشتر ،استهلك ،إرم “كي تكون انسانا حضاريا أو لنقل متحضراً على النسق الغربي المعولم، ،تعيش العصر بكل مجونه وعبثيته وجنونه ،ولم لا ،فالعصر الذي نعيش ،يحول كل شيء الى مفهوم السلعة بمافيها الفنون، بمباركة هذا المال كي يخرج نهائيا ،من مقولات الدور والرسالة الذي من المفروض ان يتبناها هذا الفن وكل الفنون،والسير الأعمى نحو مقولات الفن للفن وحركات تدمير الموسيقى التي باتت اكثر من ان تعد اوتحصى ،سليلة حركات” الدادا” الذائعة الصيت التي قامت على أنقاض كل ماهو جميل وجليل ونبيل في هذا الفن العظيم.
نعم يلعب المال الأسود والإعلام الأصفر دورا لايستهان به ،في انحدار التذوق الجمالي للفنون ،وهذا بحد ذاته بات معضلة فكرية ومعرفية ،لابد لحكماء وعلماء هذا الفن من ان يجدوا لها حلولا عاجلة وفاعلة ،تقف بالمرصاد لتجليات هذا المال المُخرب ،وتحاول طرده من المشهد المعاصر ،عبر توفر المشاريع الثقافية التنويرية ،ومنصات الانتاج والاعلام التي تتبنى الفن الراقي النظيف ،وهو مايشكل أهم الخطوات النبيلة والجريئة في عودة الروح والحياة الى اوردة هذا الفن المضيّع الذي بالرغم من كل هذا الخراب والبؤس الروحي الممتد، كان وسيبقى ملاذنا الدائم من وحشة الحياة وعالم المادة الرخيص المتسيد .