الثورة أون لاين – ليندا ابراهيم:
ونسأل أنفسنا بعد هذا الوقت الطويل من عقود القرن الماضي والحاضر، وعبر ركام وتلال من الأحداث الجسام التي شهدتها منطقتنا وأمتنا ووجودنا وهويتنا، ترى هل كان الأدب والشعر تحديداً على قدر المواجهة وهل كانت جهود المثقفين على طاقة التحدي والاستشراف والتنبيه للخطر القادم والتحذير من منزلقات التاريخ الخطيرة القادمة التي ستودي لاحقاً بجهود البررة وكفاحات الأصلاء فتضحي بهم في رمشة عين من غفلة الزمان…
سألني الجالس بجواري قبيل بدء الأمسية، أمسية يشارك بها هو، “كِيف الثقافة”؟!
وقع عليَّ السؤال بصيغته الاستفهامية الاستنكارية الاستغبائية كشرارة النار على الهشيم، أو كالماء البارد على الحران، ومن صدمة السؤال، وصدمتي بمن صدر عنه، لم أجب لثوانٍ غير قليلة، فكرر السؤال، بالصيغة نفسها: “كِيف الثقافة”، قلت في نفسي سأجيبه: “انظر لعدد الحضور ونوعيتهم في القاعة تجد الجواب”، فقلت له لا جواب لدي، فقال وأين عملك إذاً؟ قلت اسألني منذ البداية هذا السؤال لكان أجدى وأقصر طريقاً لك إلى جوابي، عملي في مقر عملي، قال والله الثقافة ليست بخير… فقاطعنا صوتُ مقدِّم النشاط كفارس مقدام يؤذن ببدء أم المعارك…
كان قبيل النشاط “الأمسية” قد طلب من القائمين على العمل أن يكون أول من يقرأ، فهو سيغادر لأسباب طارئة بسبب ضيوف طارئين، وبالفعل أول ما بدأ به كلامه معتذراً أنه سيغادر لأسباب طارئة عقب انتهاء مشاركته، وغادر، وهو نفسه الذي نادراً لا يحضر نشاطاً لغيره…
انتهت الأمسية كما معظم الأمسيات بتصفيق خجول، فتح الباب للمداخلات فلم يداخل أحد، وخرجت أتلمس طريقي في ليلة ليلاء، كمن يبحث عن لحظة جدوى في هذا الواقع اللاجدوى… عدد الحضور وقيمة الفعل الثقافي منجزنا ومنتجنا الثقافي إلى تناذر التلاشي… ونحن نحن بكل مثابرة نجهد للمحافظة على “هذه العزلة”… الثقافية … نتلذذ بواقعنا ونتمنى ألا نفيق… ولا نصحو فنحن هكذا جيدون…
ترى أين الملاذ وكيف المهرب من هذا الواقع، وأين المواطن العربي… المثقف العربي… كيانه… ما تبقى من وطنه وهويته، إنه بين أهون الشَّرَّين: مطرقة النظام الشمولي الأوحد، وسندان الإمبريالية والنيوليبرالية العالمية…
وبين أن نلتفت إلى قرن ماضٍ: بداياتِه وحيثياتِه وبوادرِ وعيه ورجالات ونساء نهضته وتنويره، وبين ما نشهده اليوم من الحيثيات نفسها والمشهدية المتردية على الأصعدة كافة دوليا وعالميا وعربيا وداخل كل بلد عربي تحديداً، لهو أمر لافت لكل ذي لب فطين، ولعله بات بعد هزة “الثورات الربيعية” الثورات التي أريد بها الباطل، و التدمير…
إن مثقفنا يعي كل شيء… ويدرك كل شيء لكنه مخدر مسير الوعي محكوم ببوصلة جناحاها الأمان الذائب في حضن ، الأمان الكاذب المتواري خلف عجزها عن تخطي ذاتها مدججة بثقة وعاطفة شعوبها في البدايات، وعجزها عن مواجهة صعوباتها منهجيا وإعلاميا، بل عجزها عن التغيير، وبين الجناح الآخر الخطر الداهم الرابض المتربص في العدو الخارجي الذي لم يكل ولم يمل في اجتراح المعجزات في الهيمنة والسيطرة والسلب والنهب والاحتلال والغزو بلباس حضاري ليبرالي متمدن يخبئ إهاباً لم تعرف البشرية أكثر منه وحشية وشراسة…
وبعد… هل باتت تنفعنا مجرد مفردات اليقظة فقط…
هل تكفي جهود التنوير وحدها…
أم هل يقينا يقينُنا الداخلي الصادق وإيماننا العميق بجدارتنا أو قدراتنا /أعني المخلصين القلة الأوفياء الجديرين/ لنثبت نقطة صفر فنمزق هذه الحلقة المفنرغة… ونعلن عن كياننا الحقيقي الكامن
هل ما زال صوتنا صالحا.. فنبتكر عبارات أجدى من عبارات الإيقاظ وجمل التثوير ومفردات الاستحثاث… هل ما زال لصوتنا صوتنا صوت…
برسم المشهدية الثقافية العربية…