افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
السِّباق الحالي المُحتدم إلى البيت الأبيض، بين دونالد ترامب وجو بايدن، تَسلسلياً يَحمل الرقم 46 إن لم تَظهر نتائجه النهائية خلال الساعات القليلة القادمة فإنها حَتمياً ستُفضي إلى إعلان فوز أحدهما، حتى لو تَخلل ذلك تَشكيك قد يَقود إلى اللجوء للمحكمة العليا لتَحسم الأمر بعد التدقيق الذي قد يُشكك به أيضاً الفريق الآخر الذي سيَخسر السباق.
بحَيوية يُنظر من قبل البعض إلى هذه التفاصيل وغيرها مما تَنطوي عليه الانتخابات الأميركية كمَعركة ديمقراطية، وإلى نظامها العام كعملية وانتخابات، الرئاسية منها، ومعها على التوازي المعركة الأخرى التي تَجري للسيطرة على الكونغرس (مجلسا الشيوخ والنواب)، غير أنّ نظرة أخرى مُختلفة لا يُمكن تجاهلها يَحملها البعض الآخر ويُشار فيها إلى التَّعقيدات المُتعمدة التي وُضعت في نظام الانتخابات لصَون مصالح أميركا أو لتَعطيل الرئاسة والإفساح للدولة العَميقة لتَصون عندما تكون المصالح مُهددة بسبب سوء الأداء أو بسبب انقسامات مُحتملة.
هذا بحثٌ آخر يَكشف عن جديد مع كل سباق انتخابي إلى البيت الأبيض، لن نَخوضه، ولا نَدّعي مَعرفة عوامله وحيثياته ولا القوى المُسيطرة فيه أو الضامنة لمَساراته، غير أن مُجرد النَّظر في مُؤشرات الانتخابات الرئاسية، والنصفية، الأميركية صار يَطرح بقوة المزيد من الأسئلة الصعبة في أميركا، داخل مؤسساتها مُجتمعة، فضلاً عن مَراكز البحث ودعم القرار، ناهيك عن أوساط التكتلات واللوبيات المُتحكمة.
المُؤشرات الحاليّة إذا لم تَكن خطيرة فهي تُؤشر إلى مُشكلة أو أزمة سياسية ديمقراطية اقتصادية مُجتمعية تَستحكم بأميركا، ويُعتقد أنها لا تَغيب عن مراكز البحث، بل تَحظى بالدراسة والتحليل من قبلها، وتَحظى بالاهتمام من قبل الداخل والخارج، أميركياً وعالمياً على السواء، ذلك لأن مما لا يُمكن للعالم إنكاره هو ذاك الأثر المُتعاظم الذي تتركه السياسات الأميركية على الساحة الدولية، وعلى مُستوى العلاقات، كتهديد للاستقرار والسلام والتعاون.
من المُؤشرات التي تُؤكد أنّ ثمة حاجة صارت واجبة وضرورية لإحداث تَغيير طَوعي أو قَسري في النظام الأميركي، في المَسلكية والأداء، وبالسياسات التي يَنتهجها البيت الأبيض وتُنفذها المؤسسات كأذرع للدولة وكمُكونات فيها، تلك التي تُشير إلى تَسجيل أكبر إنفاق بتاريخ الولايات المتحدة على الحَملات الانتخابية (أكثر من 14 مليار دولار)، وتلك التي تُسجل أعلى نسبة مُشاركة، وتلك التي حَمَلَت أعلى مُستوىً بالانحطاط في خطاب المُتنافسين، فضلاً عن تلك التي تُبيِّن حجم الانقسامات بالمُجتمع، ذلك مع الكثير من المُؤشرات الأخرى التي لا تَقلّ أهمية ولا مجال لذكرها الآن.
فاز بايدن أم ترامب، حصلَ أحدهما على الأغلبية بمجلس الشيوخ أم لم يَحصل، استعدّ جيداً لمعركة الانتخابات النصفية القادمة لتَحسين وضعه وإحكام قبضته أم لم يَفعل، فإنّ ذلك كله لا يُبدل بحقيقة أن النظام الأميركي، المجتمع، الاقتصاد، المؤسسات، في أزمة، بل يُعاني مأزقاً عميقاً أدلته مُتعددة لا تَخفى، ربما أسهمت حماقات ترامب التي ارتكبها مع الخصوم والشركاء بتَعميقه على نَحو غير مَسبوق، إلا أنّه المأزق المُرشح لمزيد من التعقيد لا لأنّ ترامب أو بايدن أحدهما أكثر سوءاً من الآخر، وإنما لأنّ أميركا بذاتها باتت النظام الأكثر سوءاً في التاريخ، عالمياً، دولياً، بكلّ الاتجاهات، وعلى جميع المُستويات.. ولا تَبدو بعيدة عن الاحتمالات التي أُشيرَ لها من قبل الكثيرين، التراجع في الدور، الانقسامات الخطيرة، التفكك والانهيار.. بكل تأكيد سيَكون العالم أكثر أمناً واستقراراً، أو أكثر قُرباً من السلام والاستقرار مع تَحَقُّقِ ذلك.