الثورة أون ولاين _ ناصر منذر:
معظم العالم تابع معركة الانتخابات الأميركية، ويرصد باهتمام ما ستؤول إليه النتيجة النهائية، وما سيترتب عليها من احتمالات وقوع الولايات المتحدة في دوامة من الفوضى والعنف، تدلّ عليها تصريحات كلّ من المرشحين الديمقراطي والجمهوري بأنه هو الفائز، وسيرفض النتيجة بحال كانت لمصلحة خصمه، ولكن بغض النظر عن هوية الفائز، فإنّ هذه الانتخابات بخلاف كلّ سابقاتها، يحسب لها أنها كشفت بشكل واضح زيف الديمقراطية الأميركية، ربما لوجود ترامب طرف فيها، وهو سبق له أن فضح بسياساته الخرقاء صورة النظام الأميركي القبيح، وأزال عنه كلّ الأقنعة البراقة التي يختبئ وراءها الرؤساء الأميركيون لإخفاء جرائمهم وموبقاتهم السياسية.
ترامب مصرّ على اتهاماته بحصول عمليات تزوير كبرى وتلاعب في أصوات الناخبين، وبايدن يتمسك باتهاماته لخصمه الجمهوري بأنه يسعى (للغش)، وكلاهما أعدّ جيشاً من المحامين للمواجهة القضائية، وهذا يعني أن هذه الانتخابات ليست حرة وغير نزيهة، وأياً كان الفائز المعلن في النهاية، فهو مشكوك بشرعيته بالنسبة للطرف الخاسر، الذي لن يعترف بهزيمته، كما هي العادة المتبعة، إذاً أين هي الديمقراطية المزعومة في ظل هذا التناحر السياسي غير محسوب النتائج؟، وهل يحق لأميركا بعد كل ذلك أن تعطي شهادات حسن سلوك في الديمقراطية للدول الأخرى جرياً على عادتها بالتدخل السافر في شؤون الآخرين؟.
لاحظوا أن الولايات المتحدة لم تترك دولة تناهض سياساتها، إلا وهاجمتها بقوة عند كل استحقاق رئاسي تجريه هذه الدولة أو تلك، وتشكك بشرعية رئيسها المنتخب تحت ذريعة (عدم نزاهة الانتخابات) بعد أن تمنح لنفسها حق تقييم تلك الانتخابات ومدى نزاهتها، وغالباً ما تفرض عقوبات على هذا الرئيس وشعبه بحجة لجوئه إلى عمليات التزوير، وتطالبه بتسليم السلطة لأطراف هي ترعاها وتمولها، وتسميها(معارضة)، وكلّ ذلك تحت مزاعم دفاعها عن الديمقراطية والحرية، في حين أن ترامب يهدد بعدم تسليم السلطة بحال خسارته، ويستهزئ بكل الدعوات التي تطالب بضرورة الانتقال السلمي للسلطة بحال فوز بايدن، أليست هذه إحدى المفارقات الهزلية في السياسة الأميركية والتي كشفتها معركة الانتخابات الحاصلة اليوم.
نحو مئة وستون مليون أميركي أدلوا بأصواتهم في الانتخابات، ولكن لا قيمة لأصواتهم تلك، وإنما المجمع الانتخابي بأعضائه الـ (538) مندوباً هو من يحدد هوية الفائز، وهذا بحد ذاته يعارض مفهوم (الديمقراطية) التي تتشدق بها الولايات المتحدة، حتى أن الرئيس المنتخب من غير المسموح أن يكون من خارج الحزبين الجمهوري أو الديمقراطي، وهذان الحزبان يهيمنان على الحياة السياسية والاجتماعية في أميركا، ويضمان في صفوفهما فقط النخب من أصحاب رؤوس المال والشركات والعقارات والمصارف وغيرها، ووحدهم من يحقّ لهم الوصول إلى السلطة، وهذا أيضاً يعري زيف الديمقراطية الأميركية، التي لم تكن يوماً إلا ستاراً تلتحف به الإدارات الأميركية لممارسة كلّ أشكال البلطجة والعربدة بحق الشعوب الأخرى.