الثورة أون لاين – ليندا ابراهيم:
كما أنَّه لا يجدرُ بالمواطن الشَّريف الجدير الغيور أن ينتظر أوقات المحنة لتعصف بوطنه فيبزغ دوره المحوري، كذلك لا يجدر بالمثقف الحق أن ينسى دورَه الوطنيَّ ومكانتَهُ وقيمةَ هذا الدور عند أول مفترق بين شخصه ووطنه ، وهنا تكمن النقطة الإشكالية الأساس ..
عند استعراض بذور تشكل اتحاد الكتاب العرب منذ خمسة عقود ، كانت الرؤى واضحة وهي بناء وطن ، وأمة ، وكانت الأهداف شاسعة ، وهي الوصول لبنيان سامق لاتحاد رصين هو أعلى وأقدر هيئة ثقافية اعتبارية في أي بلد ، وكان الحلم أكبر وفضاء الكلمة أرحب ، وحينما نقول ” كُتَّاباً ” فهذا ينضوي على إعلاء قيم القلم والفكر والضَّمير ليكونوا النِّبراسَ الذي لا يصيبه وهن ، وكانوا كذلك فعلاً قاماتٍ بحجم وطنٍ يُبنى حديثاً ، يضطلعُون بدورٍ هو الأبرزُ ، وهو تشكيلُ منظومةٍ فكريةٍ تكونُ المثالَ والقدوةَ والطليعة ، فكان التأسيس وكانوا المؤسسين ، ممن تلاقت جهودهم وتضافرت مع فكر ورؤى مجموع المثقفين في اتحاداتهم الوليدة عربياً أيضاً ، ليكون الهم واحداً ، والقضايا واحدة ، والهم الشخصي هو آخر وأكبر ما يضم هؤلاء ، كان إنكار الذات تجاه العمل الثقافي ، وكان التفاني والوفاء للفكرة والحلم والقلم ، كانت القامات التي حفرت دروبها في صخور الإبداع لتنبثق ينابيع لا تزال تروي وتظلل الطريق للآتين ، كان العمل الدؤوب والتقاء النظرة مع الموقف والفكر والهدف ، ضمن البلد الواحد ، ومع المثقفين العرب لتكون القضية واحدة والهم واحداً والأهداف مشتركة ، كانوا ممن اشتغلوا بالوقت نفسه على تميزهم وتفرُّد تجاربهم الإبداعية واحداً تلو الآخر ، فجاء النسقُ التالي لهم وقد حمل إرثاً أثقل لجهة تكوين بصمته الإبداعية الخاصة به المتفردة المستقلة عن النسق الأول المنارة ، ولتصدح المنشورات وليكون اتحاد الكتاب العرب على مدى عقدين ونيف تاليين للتأسيس منبراً أساساً للإبداع والموقف والكلمة ، ثم …
ثم بدأ الاتحاد بالتحول شيئاً فشيئاً عن الموقف لصالح المصلحة ، وعن المبدئية لصالح الانتهازية ، وعن الفعل الجماعي لصالح الفردانية المتورمة ، ومن اتحادٍ بمبنى وليدٍ جديدٍ وضع حجره الأساس فكراً وعملاً الرئيسُ المؤسِّسُ، إلى اتحادٍ بمبنى اختُصِرَ بطابقٍ واحد ولكي يأتي المؤسسون ، بعضُهم ، ممن بقي على قيد الحياة ليجد نفسه غريباً ، وأخذنا نبتعد شيئاً فشيئاً عن الاتحاد ، بينما ومع تغير وتبدل وتطور السياسي على الأرض وفي الميدان وما اعتور القضايا الكبرى عربياً ودولياً ومحلياً من تطورات وتنازلات وتداعيات كانت قد أصابت المؤسسين ومن تلاهم بعد عقدين وأكثر من الانطلاقة ، بالعجز عن الانطلاق أبعد في مشروعهم الوطني الثقافي ، وتحقيق الرؤى والتكيف مع الواقع ومستجداته الكبرى العميقة ، التي باتت تعصف بالبلدان العربية واحداً وراء الآخر ، وتحولت البياناتُ الاستشرافية والمؤتمراتُ الضاجة بالرؤى والنقد العميق والتحليل للواقع الثقافي العربي ووضع الحلول والمعالجات وصياغة المواقف ، إلى خطب بلا تنفيذ أو ظل على الأرض ، والعمل الثقافي متشرذماً على طول الساحات تحت مسمى ” اتحادات “… في الوقت الذي تخلت فيه أهمُّ القامات عن دورها إثر اندلاع الأزمة السُّوريَّة ، وغادرت بشخصانية وعجز ساحتها المشرفة الى زوايا متنحية قصية …
بتنا ، كمشروعنا القومي العربي ، إلى اضمحلال في الرؤى واستنساخ في الهيكلية وطوابير ” كُتَّابٍ ” بلا فعل حقيقي ، إلا من رحم ربك ..
المشروع القومي الفكري الثقافي العربي الذي كانت له أكثرُ من استطالةٍ وأكثرُ من مدٍّ ، والذي أنتج عدداً من القامات التي لم تهادن على كرامة المثقف والوطن ، ولم توقع ولم تستكن ولم توارب في الموقف أو المبدأ أو الرؤيا فجاءت علامات فارقة في الثقافة العربية والعالمية
فهل خبا الحلم ؟ .. إذ كان لا بد للثقافي من أن يستشرف ما اعتور السياسي ، على أهم الجبهات ، فينهض بحركة جديدة ؟
وبات غير الحقيقي هو القائم والقيم على المثقف الحقيقي ، الذي ربما لم يبق له سوى قبضة من جمر يقبض بها على قلمه وفكره الذي تم تحييده أو تناسيه ، ومع الغزو الإعلامي الذي لاحت بوادره مطلع تسعينيات القرن المنصرم وبالرغم من استصراخ الكثيرين والتنبيه لخطورته ، لكن هذا أتى عاملاً مدروساً متعوباً عليه لجهة تفكيك الفكر وتشتيت الأقلام وتفتيت الهُويات الوطنية لأي بلد …
أما الآن ، وقد بدت بشائر النصر والخروج من النفق الظلامي الأظلم تلوح في أفق أشرف الأوطان …
الآن وبعد عقود من تفتيت المفتت وتشرذُمِ المُشَرْذَم وتفكيك المنظومات والقيم القكرية والحضارية العليا لبلداننا ، لا بد من هُويَّة ثقافيَّة حضارية وطنيَّة تأسيسيَّة جامعة ، وهذا هو الوقت الأكثرُ ملاءمةً للبدء والنُّهوض والتأسيس من جديد ، فهل نكون ككُتَّاب ومثقَّفين على قدر المسؤولية التَّاريخية …
سؤالٌ بحجم الوطن برسمنا جميعاً في الاستحقاق القريب القادم