كانت هذه الكلمات التي صدحت من الإذاعة السورية في خمسينيات القرن الماضي تختزل المشاعر القومية التحررية المتأججة في نفوس السوريين على وقع الصدام بين تطلعهم لتكريس الاستقلال الذي نالوه قبل عشر سنوات وبناء دولتهم الحديثة. وبين المشاريع الاستعمارية المتعددة الجنسيات الساعية لحرمانهم فرص التنمية والتطور، والاستمرار في نهب مواردهم.
بلغت المواجهة أوجها مع العدوان الثلاثي البريطاني – الفرنسي – الصهيوني على مصر خريف عام 1956 إثر استردادها لحقها في إدارة قناة السويس التي شقت بمواردها ودماء عشرات الآلاف من أبنائها. فقدمت سورية كل ما أمكنها لدعم المجهود الحربي المصري، ونَصَبَ نواب الشعب العلم المصري إلى جانب العلم السوري في القاعة الرئيسية لمبنى البرلمان السوري، وتُوج ذلك الحراك الشعبي بإعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة في الثاني والعشرين من شهر شباط (فبراير) 1958.
كانت الدولة الفتية مُدركة لأهمية الوعي الجماعي لمواجهة التحديات الكبيرة التي تنتظرها، فمع الأيام الأولى لها وبالإفادة من الخبرة المصرية العريقة أُحدثت لأول مرة في سورية، الإقليم الشمالي لدولة الوحدة، وزارة للثقافة والإرشاد القومي تقابل وزارة مماثلة في مصر- الإقليم الجنوبي. وقدمت السفارة المصرية بدمشق مبنييها في منطقة الروضة وشارع الجلاء ليكون الأول مقراً للوزارة المحدثة، والثاني ليكون أول مركز ثقافي عربي في سورية وباكورة عشرات المراكز الثقافية التي شيدت في العقود التالية على امتداد الأرض السورية. وفي العام التالي 1958 صدر مرسوم جمهوري تم بموجبه تأسيس المعهد العالي للفنون الجميلة الذي أصبح كلية الفنون الجميلة في دمشق، بالاستعانة بكوادر ونظام كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية. وفي الثالث والعشرين من شهر تموز (يوليو) سنة 1960 بدأ الإرسال التلفزيوني من دمشق والقاهرة في الوقت ذاته.
كان على وزارة الثقافة أن تحدد الأهداف وتنطلق لتحقيقها من نقطة الصفر. وفي الوقت ذاته حرصت الوزارة على أن تكون الحاضنة الرحبة لكل الهيئات والأنشطة الثقافية التي سبقت تأسيسها. وقد رُفدت بمجموعة من الشباب اللامعين في مجال الثقافة، كان لها الفضل في إرساء مسارين متلازمين، أولهما إنشاء القاعدة المؤسساتية للوزارة، والثاني إطلاق الأنشطة الثقافية بأنواعها جميعاً. وبعد أن تم تحديد المديريات التي ستضمها الوزارة وتسمية مديريها. أوكلت لكل مدير مهمة وضع الهيكل الإداري لمديريته، وتحديد وجهاتها وخطط عملها.
في عام 1959 اجتمعت في دائرة المسرح، التي أصبحت فيما بعد مديرية المسارح والموسيقا، أهم الفرق والأندية العاملة في مجال المسرح كالنادي الشرقي والمسرح الحر والنادي الثقافي وأنصار المسرح. ونجم عن هذا الاجتماع تأسيس المسرح القومي الذي عمل على تعريف الجمهور السوري على روائع المسرح العالمي، وبالآن ذاته على نصوص المسرحيين العرب والسوريين ضمناً. وفي العام التالي لتأسيسه عرض المسرح القومي خمس مسرحيات كان منها مسرحية (ثمن الحرية) التي تحكي عن كفاح الشعب الجزائري، والتي أعيد إخراجها تلفزيونياً لتكون أول عمل درامي تلفزيوني في سورية.
ويوم تختار وزارة الثقافة عنوان (ثقافتي هويتي) لاحتفائها بأيام الثقافة السورية التي بدأت أمس، فإنها تؤكد في واقع الحال الأهمية الوطنية والقومية والاجتماعية للعمل الثقافي في وجوهه المتعددة. وللحديث تتمة
يوم من كل الأيام – سعد القاسم