الملحق الثقافي:أحمد خضور:
وحدي رأيته.. “شتربة” القرن العشرين. لا شكَّ أنه فرَّ من حرائق الغابات وشحِّ الحياة في الريف، وجاء يقصد ما في المدينة من كلأٍ ورزق. يتنقل في الأسواق وبين الحوانيت دون أن يشتري ولو باقة يبابٍ مصفرَّة أو حتى ذابلة، فقد كانت كلّ الحوانيت والمحال التجارية مرتفعة، تتقدَّمها أدراج رخامية شديدة الانزلاق.
يبدو أن انكسار قرنيه وميلان رقبته، نتيجة محاولة صعوده وسقوطه من على تلك الأدراج، هو ما جعله ساهماً مذهولاً. البرد ينهش وجنتيه فتصطكُّ ركبتاه وهو يمشي. كان قد بلغ به الخوف من تلك الحوانيت والأسواق مبلغاً رهيباً، وكأن أصحابها ذئاب ووحوش ضارية .
صرخ به حوذيّ يقود عربة فخمة، تجرها أربعة أحصنة كادت تدهسه أثناء اجتيازه لشارع الغزلان، مما أغضب السيّد الذي يجلس في العربة المرصعة بالذهب، فأخرج رأسه من النافذة وإذا به “دمنة” راح يوبِّخ “شتربة” ويشتمه، فتدخلتُ واضطررتُ أن أستسمح لـ “شتربة” من “دمنة”: آسفون نحن يا “دمنة”. ابتسم لنا ابتسامة ارستقراطية، سرعان ما تحولت إلى ماركسية، وقال: “أنا في عجلةٍ من أمري، فلدينا اجتماع في جمعية الرفق بالحيوان، لذا سأعفو عنكم” .
ودّعنا، فشكرنا رفقه بنا ولطيف عطفه .
هممتُ بأن أهمس لـ “شتربة” ببعض الكلام. لكن، العيون كانت تراقبنا، فقبّلته من خده، وتأبطت ذراعه، ومشينا بحذرٍ في غابة البشر..
التاريخ: الثلاثاء15-12-2020
رقم العدد :1024