الاستراتيجية العدوانية الأميركية تجاه سورية، لم تخرج يوماً عن سياق مواصلة الاستثمار بالإرهاب، فهو عكاز واشنطن الدائم تتكئ عليه لتحقيق أجنداتها الاستعمارية، ولطالما أعادت تدوير زواياه كلما ضاقت الخيارات أمامها عند كل محطة فشل تواجه مخططاتها، هي تهدف لتكريس واقع احتلالها لأجزاء من الأرض، بما يصب في النهاية بخدمة المشروع الصهيوني التوسعي، والملاحظ اليوم أن الاستثمار الاميركي بإرهاب “داعش” يعود إلى الواجهة مجدداً، وهذه رسالة واضحة بأن إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن القادمة ستعيد هيكلة هذا التنظيم التكفيري الذي أنشأته إدارة أوباما تحت إشراف بايدن بنفسه عندما كان نائباً لأوباما في السابق.
الهجوم الإرهابي الذي استهدف حافلة في منطقة كباجب على طريق دير الزور قبل يومين وأدى لاستشهاد وإصابة عشرات المواطنين، جاء على إثر تسارع وتيرة الكمائن التي تشهدها البادية السورية منذ ثلاثة أشهر، بعدما أفلتت قوات الاحتلال الأميركي عقال المئات من إرهابيي “داعش” من قاعدة التنف، ومن محميات “قسد”، واستجلبت كذلك المئات منهم من العراق، وعمليات النقل الممنهجة لأولئك الإرهابيين ومتزعميهم خلال الأشهر الماضية تؤكد أن هذا التنظيم الإرهابي ما زال قيد التشغيل الأميركي، وبايدن على علم تام بكل هذه التفاصيل، رغم مسرحية السجالات الإعلامية بينه وبين ترامب التي أثارت اشمئزاز العالم خلال الفترات الماضية، وهذا يعني أن إعادة توظيف داعش والاستثمار بجرائمه مجدداً خلال المرحلة القادمة، متفق عليه سلفاً بين الرئيس المنتهية صلاحيته وبين خلفه القادم، لا سيما أن بايدن وأوباما كان لهما خبرة طويلة في التعامل مع “داعش”، وإدارة دفة جرائمه.
إعادة تعويم “داعش” هو جزء من استراتيجية إدارة الإرهاب الأميركية لإيجاد ذريعة تطيل أمد وجودها الاحتلالي، خاصة أن ترامب سبق أن تباهى بأن إدارته قضت على التنظيم التكفيري، ما يعني انتفاء أسباب بقاء القوات الأميركية المحتلة، تماشياً مع الذرائع الكاذبة التي كانت واشنطن قد سوقتها سابقاً لتبرير انخراطها المباشر في العدوان على سورية، علماً أن الولايات المتحدة وحلفها الإجرامي لم تحارب يوماً “داعش”، وإنما كانت تحميه على الدوام من ضربات الجيش العربي السوري وحلفائه في الميدان، وكانت تمده بكل لوازم الديمومة والبقاء، ومن هنا فإن إدارة بايدن، وباعتبار أنها امتداد لإدارة أوباما، بحاجة لـ”داعش” كذريعة تستكمل من خلالها ما عجزت عن تحقيقه من مخططات ومشاريع عدوانية طيلة سنوات الحرب الإرهابية الماضية.
عندما تضيف الولايات المتحدة شرطاً جديداً يتمثل في مضمونه بانخراط سورية في عمليات التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني لإنهاء الحرب الإرهابية عليها، وهذا جاء على لسان ما يسمى المبعوث الأميركي الخاص الجديد جويل رايبيرن، وعندما يضيف بايدن إلى سلسلة تعييناته الجديدة كاثلين هيكس، للعمل كنائبة لوزير الحرب في إدارته المقبلة، وهي من أشد المؤيدين والداعين لزيادة الدعم للتنظيمات الإرهابية في سورية، وعندما تتسارع خطوات المحتل الأميركي باتجاه إعادة تعويم “داعش”، فهذا يعني أن إدارة بايدن ربما تتفوق على إدارة ترامب بوحشيتها في سياق تسابق الحزبين الجمهوري والديمقراطي نحو تمكين الكيان الصهيوني من تثبيت تموضعه الاحتلالي عبر “صفقة القرن”، وفرض مشروعه التقسيمي من البوابة السورية للسيطرة على المنطقة برمتها، وهذا هو الهدف الأبرز من وراء الحرب الإرهابية المتواصلة على سورية وشعبها… ولكن يبقى السؤال: هل تنطبق حسابات إدارة الإرهاب الأميركي على حصاد البيدر السوري؟.. الأمر محال بطبيعة الأحوال، حيث للجيش العربي السوري حسابات مختلفة، فهو ماض في معركته ضد الإرهاب وداعميه بكل عزيمة واقتدار، ولن تحول أي قوة في العالم أمامه من استكمال مسيرة انتصاراته، حتى تحرير كل شبر أرض دنسه الإرهاب، ودحر كل قوة احتلال غازية.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر