افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله
حمَّى التصريحات الأميركية في ربع الساعة الأخير من عمر إدارة الأحمق دونالد ترامب، صحيحٌ أنها دفعت الكثيرين حول العالم للتعاطي بحذر مع ما قد يُقدم عليه البيت الأبيض، لكنّ الصحيح أيضاً أن ارتكاب ترامب حماقة كبرى من عدمها بهذا التوقيت لا يُعفي العالم من محاولة جدية مسؤولة، ينبغي أن يتصدى لها الجميع لإصلاح ما أفسدته واشنطن.
العلاقات الدولية، النظام العالمي، والأمن والاستقرار، تضررت بمقادير كبيرة بفعل الحرائق المتعددة التي أشعلتها أميركا هنا وهناك استناداً إلى رزمة ادعاءات ساقطة وذرائع كاذبة تستمر باجترارها للعبث بأمن واستقرار العالم، وما محاولة إحياء الحركة الإرهابية الداعشية في سورية والعراق إلا تفصيل في مسارات الوقاحة الأميركية التي لا تُوفر إيران، ولا تُسقط روسيا والصين من حساباتها، وتَستهدف بشكل مباشر سورية بما تُمثل من مكانة ومَوقعية بارزة في المواجهة الدائرة، وبإجهاض مشاريع الهيمنة والاحتلال وتمزيقها.
للاعتداءات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في منطقة الجزيرة السورية دلالات تؤكدها الاعتداءات الإسرائيلية المُتزامنة معها، ذلك أن ما تنطوي عليه إنما هو محاولة للتصعيد والعودة لاستخدام ذراع الإرهاب لتحصيل ما فشلت واشنطن بتحصيله، وربما لتثبيت حالة تُربك جو بايدن وتقوده لإشعال حرائق جديدة، طالما أنه كان جُزءاً مؤثراً في إشعال الحرائق السابقة، مُنظراً لها، وصقراً من صقور الحرب التي ليس مُهماً إذا كانت قد بدأت مع الجمهوريين، أو استعرت مع الديمقراطيين، فالعملية تبادلية، تستكملها الإدارات المتصهينة المتعاقبة.
النظام الأميركي قد لا يكون نَزقاً إلى حدود ما بعد الحماقة فقط، بل من الواضح أنه يَفقد أعصابه مع ترامب وبايدن، ويبدو أنه يفقد الأهلية للتعاطي مع نتائج سياسات البلطجة والعدوان التي ينتهجها، وهو ما جعله يشعر بالهلع، ويندفع للتعبير عن حالة لا تترك له مساحة للانشغال بأي أمر آخر إلا بما بدأه، ذلك في محاولة للتعديل التي قد تُعوض عليه شيئاً مما خسره، وبات يؤهله لسقطات أهم وأخطر، إذا كان لصلابة وثبات الأطراف المُستهدفة النسبة المئوية الأكبر لجهة إلحاق الخسائر به، فإن حماقته الذاتية المَكنوزة فيه تَستكمل النسبة المُتبقية وصولاً إلى نسبة 100% خيبات وهزائم.
الولايات المتحدة التي تُقفل سنة على كارثة، وتَفتتح أخرى بمصيبة، هي ذاتها التي تُغلق حسابات إدارة نازلة بحماقة، لتَفتح سجلاً للإدارة الصاعدة لا يَحيد، بل يُتخم مجموع الحسابات ويضيف لسجلات العبث المتواصل، ذلك في مسلسل شرور يستنزف مجموعة الأدوات، يَرمي المُستهلك منها أو يُعيد ترميمه لا فرق، فالمُهم والأهم أن يَستمر مشروع الهيمنة والنهب والاحتلال الصهيو أميركي.
الولايات المتحدة ربما نجحت بنشر الإرهاب، وبإثارة الفتن وزعزعة استقرار العالم، وقد تكون نجحت بإحداث الشغب وإطلاق عمليات التخريب هنا وهناك مُستخدمة الدواعش ومشتقاتهم من التكفيريين والإرهابيين الذين تَرعاهم وتُوجههم، غير أنها لن تَنجح اليوم بخلق نسخ مُطوّرة منهم مهما امتلكت من القدرات والإمكانيات. وإذا ما أظهرت العناد بالذهاب لخيارات إحياء “داعش” بالاستنساخ والحماية عودةً إلى المربع الأول، فعليها أن تنتظر نتائج جولات العبث الجديدة التي تُحضّر لها، وقد بَدأتها بحركة قذرة مع نهاية 2020 وبداية 2021 ذلك بعمليات جبانة في البادية السورية.
إذا كُنّا على يَقين من أنّ الفشل سيكون ملازماً لمُخططات إحياء الدواعش، فذلك لأننا نَعتقد أن من استطاع تَمزيق المشروع العدواني الأساسي، ومن تمكن من دحر التنظيمات الإرهابية المُتعددة الرايات، ما زال يمتلك من القدرات ما يكفي ويَفيض للرد والردع، ولتَلقين معسكر العدوان درساً آخر لا شك سيُفرز مُعطيات جديدة تُضاف ويُبنى عليها، بل تُؤسس لحالة لا يَبقى معها أيّ أثر لدفاتر الغطرسة.