الثورة أون لاين :
بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للسلام أكد قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان على ضرورة أن يسود الإخاء والسلام في العالم .
وفي رسالته السنوية التي اختار أن يكون موضوعها “ثقافة الرعاية .. مسار للسلام” ركز قداسته على ثقافة الرعاية من أجل القضاء على ثقافة اللامبالاة والاستبعاد والمواجهة التي غالباً ما تسود اليوم ، وقال : إنه لمن المؤلم أن نرى إلى جانب العديد من أعمال المحبة والتضامن ، الزخم الجديد الذي تكتسبه أشكال مختلفة من القومية والتمييز العنصري والتعصب ، وحتى الحروب والصراعات التي تزرع الموت والدمار ، مشيراً إلى أن هذه الأحداث وغيرها أيضا من الأحداث التي طبعت مسيرة البشرية في العام الماضي .. تعلمنا أهمية الاعتناء ببعضنا البعض ورعاية الخلق ، من أجل بناء مجتمع يقوم على علاقات أخوية .
ولفت البابا فرنسيس في نشرة أصدرتها حاضرة الفاتيكان وهي مقتطفات من كلماته وعظاته في أكثر من مناسبة ، وقد تلقت” الثورة” نسخة منها إلى أن عام 2020 تميز بالأزمة الصحية الكبيرة التي خلفها “كوفيد 19″ ، والتي تحولت إلى ظاهرة عالمية متعددة القطاعات ، وأدت إلى تفاقم الأزمات المترابطة فيما بينها ، مثل أزمات المناخ والغذاء والأزمات الاقتصادية والمتعلقة بالهجرة ، وتسببت في معاناة شاقة وضيق شديد ، مستذكراً الذين فقدوا أحد أفراد أسرتهم ، أو شخصاً عزيزاً ، وكذلك الذين فقدوا وظائفهم ، وفيما أشاد بجهود الأطباء والممرضات والصيادلة والعلماء والمتطوعين وموظفي المستشفيات والمراكز الصحية ، جدد نداءه إلى المسؤولين السياسيين ، والقطاع الخاص من أجل اتخاذ التدابير المناسبة لضمان حصول الجميع على اللقاحات ضد ” كوفيد19″ ، والتقنيات الأساسية اللازمة لمساعدة المرضى وجميع الأشخاص الأكثر احتياجاً والأكثر ضعفاً .
وأشار البابا فرنسيس إلى أن الرعاية بمثابة تعزيز لكرامة الشخص وحقوقه ، موضحاً أن كل شخص بشري هو غاية في ذاته ، وليس أبداً مجرد أداة تقدر وفقاً لفائدتها ، وقد خلق لكي يعيش مع الآخرين في الأسرة ، وفي الجماعة ، وفي المجتمع ، حيث يتساوى جميع الأعضاء في الكرامة ، ومن هذه الكرامة تشتق حقوق الإنسان ، وكذلك الواجبات التي تذكر على سبيل المثال بمسؤوليته قبول ومساعدة الفقراء والمرضى والمهمشين ، وكل قريب مجاور أو بعيد في الزمان والمكان ، لافتاً إلى أن كل جانب من جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية يكتمل عندما يوضع في خدمة الخير العام .
وأكد البابا فرنسيس أن التضامن يعبر بشكل ملموس عن محبتنا للآخر ، التي ليست شعوراً بتعاطف مبهم ، بل عزماً ثابتاً ومثابراً على العمل من أجل الخير العام ، أي من أجل خير الكل ، وكل فرد ، لأننا جميعنا مسؤولون حقا عن الجميع ، وقال : في هذا الزمن الذي تهيمن فيه ثقافة الإقصاء ، وإزاء تفاقم عدم المساواة داخل الدول وفيما بينها ، أود أن أدعو المسؤولين عن المنظمات الدولية والحكومات ، والعالم الاقتصادي والعلمي ، وعالم التواصل الاجتماعي والمؤسسات التعليمية إلى تبني بوصلة المبادئ التي ذكرناها لتطبيع مسار إنساني مشترك ، مشيراً إلى أن بوصلة المبادئ الاجتماعية الضرورية لتعزيز ثقافة الرعاية تشير أيضا إلى أن العلاقات بين الأمم ينبغي أن تستلهم من الأخوة والاحترام المتبادل والتضامن ومراعاة القانون الدولي ، ومؤكداً على وجوب حماية وتعزيز حقوق الإنسان الأساسية ، وهي حقوق عالمية وغير قابلة للتصرف أو للتجزئة .
وشدَّد البابا فرنسيس على واجب احترام القانون الإنساني ، لاسيما في هذه المرحلة التي تشهد باستمرار تتالي النزاعات والحروب ، معبراً عن أسفه لأن العديد من المناطق والمجتمعات لم تعد تتذكر الزمن الذي عاشت فيه بسلام وأمن ، حيث أصبحت العديد من المدن بؤراً لانعدام الأمن لأنهم يتعرضون للقصف العشوائي بالمدفعية والأسلحة ، وليس باستطاعة الأطفال أن يدرسوا ، ولا الرجال والنساء أن يعملوا لإعالة الأسرة ، والمجاعة تنمو في أماكن لم تعرفها قط سابقاً ، ويضطر الأشخاص إلى الفرار تاركين وراءهم ليس فقط منازلهم ، وإنما تاريخ عائلاتهم وجذورهم الثقافية .
وتساءل البابا فرنسيس بالقول : كم من الموارد تهدر من أجل الأسلحة ، ولاسيما الأسلحة النووية ؟ وهذه الموارد يمكن استخدامها من أجل أولويات أكثر أهمية تهدف إلى ضمان سلامة الناس ، مثل تعزيز السلام والتنمية البشرية المتكاملة ، ومكافحة الفقر ، وضمان الاحتياجات الصحية ، وقال : كم يتطلب شجاعة أن نقرر إنشاء صندوق عالمي بالأموال المستخدمة في مجال الأسلحة والنفقات العسكرية الأخرى ، يهدف إلى القضاء نهائياً على الجوع ، والمساهمة في تنمية أفقر البلدان .
وأشار إلى أن تعزيز ثقافة الرعاية يتطلب عملية تربوية ، وتشكل بوصلة المبادئ الاجتماعية لهذا الغرض أداة موثوقة لمختلف السياقات المترابطة ، لافتاً إلى أن الأسرة هي النواة الطبيعية والأساسية للمجتمع ، حيث يتعلم المرء فن العلاقات والاحترام المتبادل ، وهي تحتاج إلى الظروف التي تمكنها من القيام بهذه المهمة الحيوية التي لا غنى عنها ، وأن المدارس والجامعات بتضامنها مع الأسرة تحمل مسؤولية التربية، لافتاً إلى أنه يمكن للديانات عامة ، والقادة الدينيين خاصة ، أن يلعبوا دوراً أساسياً ، فينقلوا إلى المؤمنين والمجتمع قيم التضامن ، واحترام الاختلاف ، والترحيب والرعاية بأكثر الأخوة ضعفاً ، داعياً جميع الذين يعملون في خدمة السكان ضمن المنظمات الدولية والحكومية وغير الحكومية ذات رسالة تربوية ، ولكل من يعمل في مجال التربية والبحث بمختلف السبل ، حتى يتمكنوا من بلوغ هدف تربية أكثر انفتاحاً وشمولية ، قادرة على الاستماع الصبور ، والحوار البناء ، والتفاهم المتبادل .
وختم البابا فرنسيس بالقول : إن ثقافة الرعاية تشكل سبيلاً مميزاً لبناء السلام ، لكونها التزاماً مشتركاً ومتضامناً وتشاركياً من أجل حماية وتعزيز كرامة وخير الجميع ، ولأنها عزم على إظهار المزيد من الاهتمام والانتباه والتعاطف ، والمصالحة والشفاء ، والاحترام المتبادل والقبول المتبادل ، فهناك حاجة في أجزاء كثيرة من العالم إلى مسارات سلام تقود إلى التئام الجروح ، وهناك حاجة إلى صانعي سلام مستعدين للشروع في عمليات الشفاء ، والتلاقي ببراعة وجرأة