الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
لم يكن الشاب العشريني الذي اتبع دورة في الإخراج بألمانيا أواسط ستينيات القرن الماضي ، يعلم حينها أنه سيكون أحد أعمدة الدراما السورية وصانع العديد من نجومها ، وإنما انطلق متسلحاً بالفكر والثقافة وبرؤيا عميقة للأمور ، امتلك من الشغف الكثير ومن الطموح الكثير ، إنه المخرج الكبير الراحل علاء الدين كوكش الذي قدم أعمالاً حفرت في الذاكرة الجمعية للمشاهدين وبات مع الوقت مُعلّماً له خطه في الإخراج ومدرسته واسلوبه في التعاطي مع العمل الدرامي انطلاقاً من انتقاء النص والشغل عليه وانتهاء بعرضه وتلقف الجمهور له .
عبر كل الحوارات التي أجراها كان تواضعه يدفعه إلى تجنب الحديث عن دوره في إطلاق فنانين باتوا مع الوقت نجوماً هامين ، وفي إعطاء الفرصة الأولى لمن حمل الشعلة بجدارة ، وعن المخرجين المساعدين والمنفذين الذين عملوا تحت قيادته وتعلموا منه الكثير ليكونوا فيما بعد مخرجين لهم مكانتهم في الوسط الفني ، وهذا التواضع الذي عُرف عن المخرج الراحل يندرج ضمن إطار تواضع من امتلك الحكمة والمعرفة والعمق فيما يُنجز ، ومن سعى إلى بناء أسس متينة في بنيان كبير لأن همه كان عاماً يغذي نهر الإبداع .
قدم المخرج الراحل الكثير من الوجوه الإبداعية من كتّاب ومخرجين وفنانين ، يقول في أحد لقاءاته السابقة مع صحيفة الثورة (عملت مع معظم الكتاب في سورية لا بل كنت البادئ في تقديم العديد منهم للمرة الأولى إلى التلفزيون) ومن هؤلاء الكتاب على سبيل المثال لا الحصر الكاتب الكبير عادل أبو شنب حيث أخرج له أول أعماله في الدراما التلفزيونية (وضاح اليمن) و (حارة الملح) 1980 ، وعبد العزيز هلال أخرج له (وجهاً لوجه) 1968 و(أسعد الوراق) 1975 وكرت السبحة في التعاون بينهما ومن أهم الأعمال التي جمعتهما أيضاً الأجزاء الأربعة من (سيرة بني هلال) التي أنتجت بين عامي 1978 ـ 1979 ، كما قدم الكاتب رامي كوسا في أولى تجاربه في الدراما التلفزيونية عبر مسلسل (القربان) 2014 وكان آخر الأعمال الإخراجية للراحل .
أما على صعيد الإخراج فقد شكلت أسلوبية المخرج علاء الدين كوكش مدرسة نهل منها الكثيرون ، وعمل معه العديد من المبدعين الذي بدؤوا بصفة مخرج مساعد أو منفذ وفيما بعد خرجوا إلى عالم الإخراج ، ومن أبرزهم المخرج بسام الملا الذي كان مخرجاً مساعداً في (سيف دحلان 1982 ، تجارب عائلية 1981) ، ومخرجاً منفذاً في (حصاد السنين) 1985 ، وحقق فيما بعد بصمة خاصة ومكانة مرموقة عبر أعمال كان لها حضور قوي على الساحة ، وهناك المخرج رشاد كوكش الذي عمل معه بصفة مساعد مخرج في الجزء الأول من (أبو كامل) 1991 و الجزء الأول من (أهل الراية) 2008 و(القربان) وبات من المخرجين الذين لهم مكانة في الوسط الفني وآخر أعماله الإخراجية مسلسل (غفوة قلوب) ، ومن المخرجين الذين لهم حضورهم على الساحة أيضاً المخرج محمد وقاف الذي كانت بدايته كمخرج منفذ مع الراحل من خلال (أمانة في أعناقكم) 1998 والجزء الثاني من (أبو كامل) 1993 و (حي المزار) 1999 ، وهناك المخرج الراحل سمير سلمون الذي عمل بصفة مخرج مساعد في (طائر الأيام العجيبة) 1981 و (الشطار) 1982 و (حارة الملح) ، وفي الأجزاء الأربعة من (سيرة بني هلال) وهي (جابر وجبير ، مغامرة الأميرة الشماء ، الأميرة الخضراء ، الزناتي خليفة) ، وهناك أيضاً المخرج محمد الشليان الذي كان مخرجاً مساعداً في (حارة القصر) 1970 و (أسعد الوراق) .
كما عاصره منذ أعماله الأولى العديد من الفنانين الهامين وكان لحضورهم نكهة خاصة ، فالفنانان هاني الروماني ومنى واصف دخل حضورهما تاريخ كلاسيكيات الدراما السورية باكراً من خلال (أسعد الوراق) فمن ينسى أسعد ومنيرة وتلك الصرخة التي تسللت إلى وجدان كل منا ، وممن أخذوا أدواراً شكلت فيصلاً في مسيرتهم عبد الرحمن آل رشي وسلمى المصري في (رأس غليص) 1976 ، وهاني الروماني ومها الصالح وسليم كلاس وثناء دبسي في (حارة القصر) ، أما في سيرة (مغامرة الأميرة الشماء) 1978 فكان هناك حضور بقي في الذاكرة للعديد من الفنانين ، ومنهم ملك سكر وأسعد فضة وطلحت حمدي ومها الصالح ، وفي الجزء الأول من (أبو كامل) 1991 قدم الفنان عبد الفتاح المزين أحد أجمل أدواره (زاهي) . والفنانون الذين قدمهم عبر أدوار هامة إلى الشاشة كانوا كثر ومن أبرزهم الفنان سلوم حداد عبر أعمال منها (حارة الملح ، تجارب عائلية ، الشطار ، حصاد السنين) ، والفنانة صباح السالم في (تجارب عائلية) وجيانا عيد في (المجنون طليقاً) 1984 وزهير عبد الكريم في (الذئاب) 1989 .
مما لا شك فيه أن المخرج الراحل علاء الدين كوكش لم يكن علامة فارقة فقط وإنما كان صانع علامات مميزة حفرت عميقاً وتركت أثرها في مسيرة الدراما التلفزيونية السورية على مر السنين ومن خلال أعمال هامة ، لقد كان معلّماً بحجم مدرسة خرّج الكثير من المبدعين بصمت وحب نابع من معرفة بأهمية العطاء والإيمان بالدماء الجديدة التي تثري العملية الإبداعية بنتاج مستمر .