“صناعة المصطلحات” جبهاتٌ داخلَ العقول.. ” الحرب الأخرى”

 

الثورة أون لاين – د. مازن سليم خضور:

ضمن سلسلة “الحرب الأخرى” في الثورة أون لاين نتناول أشكالاً مختلفة تستخدم في الحرب على سورية، غير تلك العسكرية، يبدو أن لكل زمنٍ في هذه الحرب أدواتٌ متغيرة تعتمد شكلاً مختلفاً و إن بقيت الوجهة واحدة.. ومن هنا نضيء على ما يمكن تسميته “حروبُ اللغة” تشويه للحقائق وتغيير في المسميات والمفردات.

حرب المصطلحات ذلك يعني بأن “يحصلَ تلاعبٌ مقصودٌ بلفظٍ ما قصد به معنى معيَّن لينسحب على معنًى آخر، فيجعل تغيُّر الأسماء مؤثرًا في تغيير أحكام مسمَّياتها”.
انتشرت هذه الظَّاهرة في الآونة الأخيرة في ظل ما سمي “الربيع العربي” لا سيما في ظل الفوضى الإعلامية العارمة و الاعتماد على القوة المتعاظمة لوسائل الإعلام في التأثير و “صناعة الرأي” و الاستفادة من الاستهلاك الكبير للمتابعين، للمحتوى المتداول عبر منصات التواصل الاجتماعي.

التلاعب بالمصطلحات يشمل أيضاً مجموعة من الأمور منها تغيير مضمون المحتوى أو تغيير الاسم وغيرها .

هذا المنهج تستخدمه غالباً الدول الاستعمارية وقوى الاحتلال، لطالما سعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تغيير أسماء القرى والبلدات في الجولان السوري المحتل وسعى إلى تزوير التاريخ والحضارة ومن قبلها قام الاحتلال التركي بنفس الفعل حيث عمل على تتريك المسميات حتى أن اللواء السليب لواء اسكندرون الذي احتلته تركيا وسلخته عن الوطن الأم سورية أطلقت عليه إقليم “هاتاي” لدرجة أن بعض “الصحفيين” السوريين أصبحوا يطلقون هذا الاسم بدلاً من لواء اسكندرون بسبب قلة الثقافة من جهة والمحاولات التركية حول تدعيم هذا الملف من جهة أخرى.

مصطلح آخر وهو المقاومة حيث سعت دول الاحتلال إلى وصم مصطلح المقاومة بالإرهاب وجعلها ملازمة له غير أن مقاومة الاحتلال أمر مشروع في أغلب دول العالم ومنظماته إن لم نقل كلها وجميعها حيث أصبحت مقاومة الاحتلال ” الإسرائيلي ” الغاصب للأراضي العربية والسارق لخيراتها أصبح إرهاباً وحركات المقاومة تصنف على لوائح الإرهاب بينما كيان الاحتلال يستخدم حق النقض الفيتو لإدانته بجرائمه بحق الشعوب العربية وليس بعيداً عن ذلك تجاه التعامل مع العمليات والاعتداءات الإرهابية على الصعيد العالمي، فالهجمات التي وقعت في فرنسا وبلجيكا وألمانيا، خلال الفترة الماضية على سبيل المثال هي عمليات إرهابية تستحق الشجب والإدانة والاصطفاف الدولي لمواجهتها، بينما الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية واللبنانية والفلسطينية هي اجراءات وقائية ودفاعية.
وفي ذات السياق أصبح المعتدي مدافعاً والعكس صحيح، حيث إن كيان الاحتلال الإسرائيلي يسمي قوات جيشه التي نشأ من عصابات الهاغانا و الأرغون وغيرها من العصابات الإجرامية و التي صنعت أبشع الجرائم وأقساها بحق الشعوب العربية لا سيما دير قاسم وكفر زيت وصولاً لصبرا وشاتيلا وليس آخرها قانا يسمى هذا الجيش ” جيش الدفاع” وكأنه يدافع ضد مهاجمين ومعتدين عليه علماً أنه جيش احتلال ومعتد على أراضٍ عربية وشن هجوماً على عدد من البلدان العربية.

هذا المنهج “التلاعب بالمصطلحات” لم يقتصر فقط على دول الاحتلال بل أيضاً عبر أدواتها ومنها “ميليشيا قسد” حيث سعت إلى تغيير المسميات والمصطلحات وأسماء المناطق في الجزيرة السورية وأطلقت أسماء مغايرة للأسماء وتم تغيير أسماء المدن التاريخية القديمة التي تعود للحقبة الآرامية والآشورية والنبطية العربية مثل رأس العين تم تحويرها وترجمتها إلى الكردية ليدعي هؤلاء بأنها مدينة كردية، ليُرضوا بعض العنصريين ويضمنوا مساندتهم وكذلك منطقة مثل الجزيرة الفراتية التاريخية اختلقوا لها اسما غريباً “روجافا”، كما فعل تنظيم الدولة، عندما أطلق مسمى ولاية البركة عليها هذا من جهة ومن جهة أخرى قامت التنظيمات الإرهابية التي تتبع للاحتلال التركي بحملة تتريك لعدد من الأماكن التي سيطرت عليها خلال الحرب في سورية حيث نشر ما يسمى ” المجلس المحلي” لمدينة صوران، شمال شرق محافظة حلب السورية، صورًا للافتات بالشوارع غيرت تركيا أسماءها الأصلية، إلى أخرى دُوِّنت باللغتين التركية والعربية.

وغير بعيد عن التنظيمات الإرهابية هناك التنظيمات الدينية وعلى رأسها تنظيم ” داعش” الإرهابي أطلق ما سمي ” جهاد النكاح” حيث انتشر هذا النوع من الجهاد.. داخل تنظيم داعش الإرهابي، وكان قاسماً مشتركاً في تجنيد التنظيم للفتيات والنساء طوال السنوات القليلة الماضية حتى الشيخ عثمان بطيخ الذي كان مفتي الجمهورية التونسية وقد أقيل من مهامه بعد مدة وجيزة من إعلانه أن 16 فتاة تونسية “تم التغرير بهن وإرسالهن” إلى سورية من أجل “جهاد النكاح وفي دراسة للباحث السياسي طه علي، تم الكشف أن الجناح النسائي بالتنظيم يشمل عدة أقسام لعل أهمها قسم يهتم بالإنجاب وممارسة الرذيلة مع رجال “داعش” ورعاية الشؤون المنزلية، ويعرفن بالسبايا والأسيرات، ويأتين من جنسيات مختلفة عربية وغير عربية

وبالتالي تم تحويل مصطلح الرذيلة إلى جهاد النكاح.
مصطلح الثورة الذي استخدم في بعض الدول العربية كاليمن وتونس ومصر سمي في بعض الدول أنها حركات تمرد كالسعودية والبحرين وظهر ذلك في الخطاب الإعلامي فبينما نرى أن بعض المحطات تصف المتظاهرين في دول معينة بأنّهم ثوار أو متظاهرون سلميون نرى ذات المحطات تصف نفس المتظاهرين الذين يطالبون بنفس المطالب في بلد آخر بأنّهم إما انقلابيون أو أنّهم مثيرو الشغب فمثلاً يتم وصف المتظاهرين في ليبيا بالثوار وفي سورية ناشطين سياسيين وفي اليمن انقلابيين وفي السعودية والبحرين مأجورين ومثيري شغب.

أما التنظيمات التي وصِفت مؤخراً على أنّها تنظيمات إرهابية نجدهم ذاتهم يوصفون من بعض المحطات بأنّهم جهاديون وثوار كما هو الحال في سورية وبأنّهم إرهابيون في بوكو حرام في النيجر.
مصطلح آخر ظهر وبقوة وهو النيوليبرالية أو الليبرالية الحديثة التي نادت حسب ادعاءاتها بالحرية والمساواة والمشاركة في القرار وظهرت في كتابات جون ستوارت مل وليونارد هوبز وغيرهم وما نادوا به من حرية الإنسان وكرامته حتى أن رواد هذا الفكر عملوا على السيطرة والتحكم بعدد من مراكز صنع القرار سواء في الاقتصاد أم الإعلام وحتى في مجال التعليم وبدا العمل على تشجيع الخصخصة والابتعاد عن التأميم من جهة وإبعاد الدولة عن مجالات الرعاية الاجتماعية وفك الضوابط الموجودة في المجتمع لا سيما في ظل ثورة التكنولوجيا والمعلومات والاتصال وصولاً إلى العولمة تحت مسمى “الحرية”.
أمام كل هذه المصطلحات الملغمة والكم الهائل من المصطلحات حمالة الأوجه بات من الضروري بلورة خطاب سياسي وإعلامي فعّال لمواجهة الحرب المعلنة على الذاكرة الوطنية من جهة والعربية من جهة ثانية كذلك العمل على المستويات كافة من خلال المؤتمرات والحوارات والبرامج على توضيح حقيقة ما حصل ويحصل سواء من ناحية التعريف بالقضايا الأساسية والحقوق وكذلك الاهتمام قدر الإمكان بالخطاب الإعلامي الصادر والمستورد لأن الغرب يعرف جيداً خطورة الدور الذي يقوم به الإعلام، حتى مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة عندما قالت ذات مرة: إن شبكة C.N.N الأميركية هي العضو السادس دائم العضوية في مجلس الأمن! وبالتالي كانت تدرك أن للإعلام من النفوذ والتأثير ما لم نتوقعه وأصبحت مصدراً للمعلومة وباتت قادرة على صياغة رؤية خاصة للعالم تدخل إلى لاوعي المشاهد وبالتالي يمكن التحكم بالفرد وتشكيل توجهاته وصبّه في قوالب مُعدة سلفًا كقوالب جاهز تفصل كما يريد المخطط.

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم