جرى في سياق الزيارة الميدانية للسيد رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس، إلى حلب مؤخراً، تدشين ووضع ٣٠٠٠ هكتار من سهول حلب الجنوبية في الاستثمار في منطقة الحاضر بتكلفة ١،٢ مليار ليرة سورية.
سألت المهندس محمد كريط مدير هذا المشروع: من أين الماء…..؟ وسر السؤال أنني أعرف أن المنطقة جافة وذات معدل أمطار متدن، ومن الأمثلة المهمة جداً أنه عندما تقرر إحياء نهر قويق في حلب في العام ٢٠٠٦، فرح فلاحو قرية جزرايا، أن مياهه العذبة ستروي أراضيهم، بعدما باءت محاولات حفر بئرين في القرية بالفشل بسبب الجفاف، وكان جواب المهندس كريط في مؤسسة الإنشاءات العسكرية، متعهدة المشروع ( وهي إحدى أهم مؤسسات قطاعنا العام الإنشائي ) ، أن مياه الري ستأتي من قناة مسكنة التي أؤثر أن اسميها: نهر حلب الصناعي وهو يتدفق بغزارة ٩٣متراً مكعباً في الثانية بوساطة الضخ من بحيرة الاسد التي شكلها سد الفرات العظيم ، من محطة ضخ كبرى تدعى – البابيري- على ضفاف البحيرة في منطقة قريبة من – مسكنة – على طريق حلب الرقة.
وأدركت إن ما حدث في سياق تلك الزيارة، هو إحياء للتنمية الكبرى التي عرفناها قبل الحرب الجائرة علينا، في العام ٢٠١١ فسهول حلب الجنوبية، التي تقرر استصلاحها آنذاك، تمتد على مساحة 85 ألف هكتار، وهي تربة حمراء خصبة، ابتليت بالجفاف، والاضطرار إلى الري بمياه الصرف الصحي القادمة من بيوت ومصانع حلب (٣٥٠ ألف متر مكعب في اليوم )، وهي تشكل مستنقع السيحة، مابين حلب وإدلب بمحاذاة منطقتي أبو الظهور وسراقب، ويتوق هذا المشروع التنموي الكبير إلى إرواء تلك السهول بماء صالح للري، من محطة معالجة مجارير حلب أو من نفق الري الذي يصل مابين قناة مسكنة غرب وتلك السهول على مقربة من مدينة السفيرة، بتدفق ٥٥متراً مكعباً في الثانية، ومن هذا النفق سيتم الآن إرواء الجزء الأول المستصلح من تلك السهول بمساحة ٣٠٠٠ هكتار، إثر إعادة بناء التجهيزات الميكانيكية التي سرقها الإرهابيون ودمروا قواعدها، ومن خلال تمديد قساطل مطمورة تحت التراب لنقل المياه إلى مرشات الري بالرذاذ.
شهدت أكثر من مرة أعمال استصلاح الأراضي الجبارة في تلك السهول وكيف يركض المهندسون بين الجرافات الضخمة ويشجعون ويوجهون العاملون عليها، ورأيت فلاحين أشداء يسابقون الزمن وهم يحملون أسطوانات الغاز لتلحيم شبكات الري بالتنقيط والعناية بمزروعاتهم في سهول خصبة جداً، قادرة إذا استكمل استصلاحها أن تؤمن احتياجات سورية من كثير من المنتجات الزراعية.
ومسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، ويالها من بداية رائٔعة، يقول المهندس محمد كريط بوجه مشرق، متفائٔل، وبفرح غامر، إنها العودة إلى التنمية الكبرى، المحرك الجبار لإنتاج وفير دائم، يؤمن احتياجات السوريين الأساسية، ويوفر فرص عمل مجزية لمئٔات ألوف الفلاحين، إن مشروع استصلاح سهول حلب الجنوبية وتجفيف مستنقع السيحة عبر بناء سدي خان طومان والمويلح ومحطة معالجة على مدخل السد الأخير، كانت على وشك الانتهاء قبل الحرب على سورية، ولعل العودة إلى استثمار جزء من هذا المشروع، ومتابعة الأداء لاستكماله، مؤشر هام على قوة التعافي من الاٍرهاب، وعلى أننا في الطريق السريع إلى النهوض الاقتصادي وتحسين الوضع المعيشي لكل السوريين.
أروقة محلية – ميشيل خياط