ها قد دخلنا إلى عام جديد، ونحن نتفاءل بقادمٍ أفضل لأيامنا بعد أن مررنا بسنة التهمتها فيروسات كورونا، وهي ما زالت توسع انتشارها على أمل أن تلتهم السنة الجديدة أيضاً.. لكننا نشحن أنفسنا بكل مسببات الطاقة الإيجابية حتى نهزم ذلك الوحش الخفي الذي باغتنا فأربكنا، وأحزننا، واحتجزنا في البيوت.. بل إننا سنؤرخ للعام ٢٠٢٠ على أنه عام استثنائي في مفاجآته.. إذ فقدنا فيه الأحبة، والأعزاء الذين اختطفهم الموت بالوباء من أقارب، وأصدقاء، ومبدعين، وفنانين، وشخصيات عامة شكلت رموزاً تعلقنا بها، وأناس بسطاء كنا نحبهم، وآخرين لا نعرفهم وغابوا مع تعداد الأرقام في تصاعدها.
والعالم يقع على حافة تتأرجح بين الخطأ، والصواب.. بين مَنْ يقبل الحلول، والتبريرات، ومَنْ يرفضها، وينفيها.. فماذا بعد كل هذا من أثمان سندفعها؟ لكن.. ولو أننا ربما سندفع فيما سيأتي أثماناً لا نتوقعها إلا أن العاصفة لن تستطيع أن تكسر أغصان شجرة الحياة التي تتفرع في كل الاتجاهات.
وماذا بعد؟.. الكتّاب في عزلتهم يقرؤون، وفي قادم الأيام سيطرحون كتابات جادة بعد قراءاتهم التي تغني تجربتهم الأدبية، بل ستظهر موجة جديدة من الكتابات بعد هذا العزل القسري.. وكذلك حال الباحثين، والفنانين، وغيرهم، بما يحمل رؤية استشرافية بعد أن غُمرنا بأجواء كورونية كونية غير مسبوقة، ولا مألوفة.. وكل منا خاض تجربة جديدة استثنائية أيضاً لابد ان تظهر ملامحها في الأدب المعاصر شرقاً، وغرباً.. وفي الفن عموماً الذي تتطور أدواته يوماً إثر يوم.. حتى الصحف والمجلات فقد طرأت على بعضها التغيرات فأخذت ترصد (ريبورتاجات) خاصة لعرض الكتاب في ملخصات، وإضاءات تسلط الضوء، وتغري بالقراءة.
وما بالنا أيضاً بالمصائب والنكبات التي حلت في عام فات كان متفجراً بالأحداث من كل المقاسات صغيرة، وكبيرة كانفجار بيروت الذي لابد أنه سترصد له الأفلام، واللوحات كما القصص، والروايات.. وأجراس الإنذار تقرع من حولنا لآتٍ قد لا نتفاءل كثيراً بقدومه.. وحالة التباعد البشري التي تخالف طبيعتنا البشرية لابد أن لها انعكاساتها السلبية التي لن يغفلها الفن والأدب أيضاً.
وماذا بعد؟.. هل سنحتمل مزيداً من الوقت في العمل عن بعد؟ بينما نفقد، ونفتقد حرارة اللقاء الإنساني الذي كنا نعيشه دون أن ندرك قيمته، وأثره العميق في حياة كل فرد.. وهل ستستوعب الأجيال تلك الأجيال الجديدة من الألعاب الإلكترونية التي ظهرت في فترات قصيرة بسبب الجائحة وملازمة البيوت، والعمل من المنازل.. وهل سيؤتي التعلم عن بعد ثماره الحقيقية وهو يرهق الطالب وأستاذه معاً؟.. وحاله كحال اللقاءات الصحفية، والتلفزيونية التي تُبث بين طرفين متباعدين حفظاً للسلامة، والوقاية، فتفتقد لحرارة الحوار عندما يكون وجهاً لوجه.. وهل سيغني رواج منصات البث الرقمي، والسينمائي، وتنوعها عن دور السينما وأجوائها التي تسحرنا كلما انطفأت الأضواء، وسطعت الشاشة الكبيرة بعرض فيلم نتلهف لمشاهدته؟
وماذا بعد ما وصلنا إليه من ظهور القرصنة الرقمية الفائقة التي ساعدتها الجائحة فاخترقت أكثر البرامج، والمواقع الإلكترونية تحصيناً لدى الدول الكبرى، والعظمى في وقتٍ تنشغل فيه الدول وتتسابق للوصول إلى لقاح فعّال تحصن به شعوبها من الإصابة بالوباء، وما قد يتبعه من تأثيرات؟
فهل بعد كل هذه المظاهر، والظواهر، والأحداث نستطيع القول إننا وصلنا إلى الزمن الممهور باسم (كورونا) لننتظر ماذا سيأتي من بعده؟ لعل الأمر هو كذلك.. فكل هذه التغيرات والتحولات مهما تضاءلت فهي تخضع بشكل ما لنظرية (تاثير جناح الفراشة) التي تقول إن الفروقات الصغيرة قد ينتج عنها على المدى البعيد فروقات كبيرة.. ولهذا فنحن نخاف أن يتحطم جناح الفراشة هذا، وكانت مجرد رفته تحدث أكبر الآثار.. فماذا بعد؟
(إضاءات) ـ لينـــــــا كيـــــــــلاني ـ