الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
إن ما نهج إليه ترامب من رفض للإقرار بالهزيمة الانتخابية، ومواصلة التحريض لمناصريه، قد أفضى في يوم الأربعاء الماضي إلى ما لا يمكن توقع حدوثه، والمتمثل بهجوم على مبنى الكابيتول الأميركي نفذته مجموعة من البلطجية فاق عددهم أعداد الشرطة، الأمر الذي حدا بأعضاء الكونغرس إلى الخروج أثناء مناقشة فرز الأصوات الانتخابية.
ولا ريب بأن المسؤولية كاملة تقع على عاتق الرئيس الذي يشكل استمراره في التمسك بمنصبه خطراً يهدد الديمقراطية الأميركية، ما يستدعي إقالته دون تردد.
وفي الحين الذي كانت تعقد به جلسة الكونغرس، دعا ترامب تلك الحشود للقيام بأعمال عنف، وعقب تكراره لسلسلة من نظريات المؤامرة السخيفة المتعلقة بالانتخابات، دفع بتلك الجموع للتظاهر أمام الكابيتول، وقال لهم: “سنسير إلى هناك، وسأكون معكم، لن نقبل بضعف يصيب بلادنا، إننا هنا لنثبت قوتنا، وعليكم أن تكونوا أقوياء”، بيد أنه لم يتبعهم، بل بقي يشاهدهم عبر شاشة التلفاز يقتحمون أسوار مبنى الكابيتول، ويصطدمون بالشرطة التي تحرس المبنى، حيث اضطر أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ للفرار من المكان، ولا سيما بعد إطلاق النار.
وأصدر ترامب تغريدتين، حث بهما أنصاره إلى احتجاجات سلمية، عوضاً عن إدانته لأعمال العنف ودعوتهم للانسحاب، وبعد مناشدة جمهوريين رفيعي المستوى، أصدر مقطع فيديو طالب به المتظاهرين بالعودة إلى منازلهم، ورفع منسوب أكاذيبه فيما يتعلق بحراس المبنى، بينما أخذ يبرر أعمال الشغب بقوله “تحدث تلك الاحتجاجات عندما يكون الفوز ساحقاً، وتسرق منا الانتخابات”.
من غير المقبول بقاء الرئيس في البيت الأبيض بعد مضي حوالي أسبوعين من الآن، ونرى بأن احتفاظه بسلطات الرئاسة الواسعة يمثل تهديداً للنظام العام والأمن القومي، وفي هذا السياق كان على نائب الرئيس،”بنس” الذي اضطر للخروج من قاعة مجلس الشيوخ لحماية نفسه، أن يجتمع مع أعضاء الكابيتول لتطبيق النص الخامس والعشرين من الدستور، والإعلان بأن ترامب “لم يعد يتمتع بصلاحيات السلطة وواجباتها”، وسيكون لزاماً على الكونغرس أيضا القيام بذلك في حال رفض ترامب، إلى جانب تسلم بنس السلطة إلى حين تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في 20 كانون الثاني، وفي حال تعذر ذلك يجب على جمهوريين رفيعي المستوى ممارسة الضغوط على الرئيس، ولا سيما أن حركة التمرد قد قوبلت بشجب العديد من كبار الجمهوريين، ومنهم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، بينما يستعد عدد لا بأس به من مشرعي الحزب الجمهوري، وعلى رأسهم جوش هاولي، والسيناتور تيد كروس (تكساس)، وزعيم الأقلية في مجلس النواب كيفين مكارثي (كاليفورنيا)، وممثل الأقلية الجمهورية في مجلس النواب ستيف سكاليس (لوس أنجلوس)، لتأييد جهود ترامب، لإذكاء غضب أولئك الذين خدعهم الرئيس بتزوير الانتخابات، لكن ماكونيل لم يحمل ذات الأفكار، بل عبر عن رأيه قائلاً: “يدّعي الرئيس ترامب سرقة الانتخابات، لكن لم يحصل شيء يدل على انتهاك الشرعية في أي مكان، لقلب الانتخابات برمتها.. وفي حال نسف نتائج الانتخابات نتيجة ادعاءات أطلقها الطرف الخاسر، فستكون ديمقراطية أميركا دخلت في مرحلة الاحتضار”، لكن بلطجية ترامب تسلقوا جدران الكابيتول، ولاذ ماكونيل وزملاؤه بالفرار إلى غرف آمنة.
في الوقت الراهن، توضحت الرؤية، لذلك ينبغي على ماكونيل وجميع أعضاء الحزب الجمهوري تحمل مسؤولية أحداث يوم الأربعاء، وسيقع على عاتقهم أيضاً مسؤولية حماية البلاد من خلال وقف ترامب، واستعادة الثقة بالديمقراطية، وقد بدأ في مساء الأربعاء استئناف جلسة الكونغرس ومتابعة فرز الأصوات الانتخابية، وقد أكد ما جرى مرة أخرى عقلانية المشرعين في رفض ادعاءات ترامب مقابل دعم جو بايدن المنتخب، وصرح بايدن بقوله: “ادعو هؤلاء الرعاع للانسحاب وإتاحة المضي بالعمل الديمقراطي، إنها ليست مظاهرة وإنما حركة تمرد” وختم كلامه بالقول: ” تتعرض الديمقراطية الأميركية لهجوم غير مسبوق، وقد تكون هشة”.
ويبدو أن بايدن على صواب فيما ذهب إليه، فالقواعد والأعراف والقوانين وحتى الدستور نفسه لا قيمة لها ما لم يؤمن بها الشعب، فالأميركيون يرتدون أحزمة الأمان، ويتبعون قوانين المرور، ويدفعون الضرائب، ويصوتون إيماناً منهم بالنظام الانتخابي، وهذا الإيمان يجعل البلاد تمضي قدماً، ومن الملاحظ بأن ترامب لم يكتفِ بالتغريدات فحسب، بل رفع صوته محرضاً أنصاره على خرق القوانين والقواعد، لذلك بتقديرنا نرى أنه أصبح يمثل خطراً على الأمة طوال مدة بقائه في البيت الأبيض.
المصدر: واشنطن بوست