الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
قد يشهد الأسبوعان المقبلان تصاعد العنف في جميع أنحاء الولايات المتحدة على الرغم من الإدانات الصاخبة، يبدو أن ترامب وأنصاره شنوا هجومًا صادمًا مع الإفلات من العقاب على المؤسسات السياسية، والأنوار لم تعد مضاءة تمامًا، وقد شاهد العالم هذه الفوضى التي افتعلها الغوغائيون بزعامة ترامب، فقاموا بتجميد مقر الحكومة الأميركية هذا الأسبوع، حيث ركض نواب الكونغرس للاختباء في مواقع آمنة بينما أبقى ضباط الشرطة مؤيدي ترامب في مأزق مع رفع البنادق، ومما يثير القلق أن ترامب وأنصاره احتفلوا بهذه اللحظة على أنها “عمل وطني”.
كان رد فعل زعماء العالم بمثابة الصدمة لأن السياسة الأميركية انزلقت إلى أعمال عنف مميتة في قلب واشنطن العاصمة، ليس ذلك فحسب، بل كان ترامب وراء الفشل الذريع للديمقراطية الأميركية، وترتبط كلماته المتهورة والمهزلة التي افتعلها مع أنصاره ارتباطًا مباشرًا بالإقالة المؤقتة للحكومة الأميركية وإعادته إلى الحكم “لقد كانت محاولة انقلاب”.
غالبًا ما يتم الإشادة بالديمقراطية الأميركية باعتبارها “مدينة مشرقة على التل” تقدم “منارة الأمل” لبقية العالم، لكن الآن وفي هذه الحالة انطفأت الأنوار بعد أن شق الآلاف من أنصار ترامب طريقهم إلى مبنى الكابيتول الشهير، وحطموا النوافذ والواجهات، وقُتل أربعة أشخاص في الاشتباك، وأصيب شخص بأعيرة نارية من الشرطة وآخر من حالات الطوارئ الطبية، كما اعتقل العشرات من المتظاهرين بسبب الاضطرابات التي أدانها الرئيس المنتخب جو بايدن والعديد من المشرعين ووصفوها بأنها “اعتداء على الديمقراطية”، وتم تعليق الكونغرس لعدة ساعات حيث سيطر الحرس الوطني ووكالات إنفاذ القانون الأخرى على مبنى الكابيتول.
استأنف المشرعون في وقت لاحق أعمال التصديق على نتائج الانتخابات التي حسمت فوز بايدن بالانتخابات التي جرت في 3 تشرين الثاني، وبدأ حصار الكابيتول بعد فترة وجيزة من بدء نواب من مجلسي الشيوخ والنواب العملية الدستورية لفرز أصوات الهيئة الانتخابية وفاز بايدن بأغلبية واضحة لكن بعض المشرعين الجمهوريين تعهدوا بإلغاء الأصوات في الكونغرس هذا الأسبوع.
في نفس اليوم السابق للجلسة المشتركة لكلا المجلسين التشريعيين، ألقى ترامب خطابًا استفزازيًا آخر حث فيه أتباعه على القتال الهمجي وعدم التنازل أبدًا، وقد ادعى بتحدٍ أن المرشح الديمقراطي بايدن لم يفز إلا بالاحتيال على الأصوات وأن الانتخابات كانت مزورة، ودعا خطاب ترامب يوم الأربعاء في الواقع أنصاره إلى مهاجمة مبنى الكابيتول لتعطيل عملية التصديق على النتيجة، وقد أُجبر لاحقًا على توجيه دعوة للمتظاهرين “للعودة إلى ديارهم”، لكنه مع ذلك أشار إليهم على أنهم “وطنيون”، وهناك الآن دعوات من الحزبين لإقالة ترامب من منصبه بموجب التعديل الخامس والعشرين للدستور الذي يسمح بإقالته من قبل حكومته أو من قبل الكونغرس إذا اعتبر غير لائق للواجبات، لكن التعديل لم يتم تطبيقه من قبل، وليس من الواضح كيف سيتم تطبيقه أو المدة التي سيستغرقها الإجراء ليتم تنفيذه.
يبدو أن ترامب يعترف الآن بأنه سيكون هناك انتقال سلمي للسلطة، لكن هناك أسبوعان آخران في المنصب قبل تنصيب بايدن كرئيس في 20 كانون الثاني، ولا يزال هناك مجال كبير لترامب لإطلاق العنان لهذا النوع من الفوضى التي شهدها هذا الأسبوع، قد تكون الأنوار قد انطفأت مؤقتًا وهدأت الأحداث هذا الأسبوع، لكن من الذي سيقول إنهم لن يخرجوا مرة أخرى، لإغراق السياسة الأميركية في ظلام دامس؟.
لسبب واحد، يشعر أنصار ترامب بالجرأة بسبب الأحداث غير العادية، لديهم رئيس يصر بوقاحة على الكذبة الكبرى بأن الانتخابات كانت مزورة، ولم يتم تقديم أي دليل لدعم الادعاءات الجامحة، ورفضت المحاكم كل محاولة للتقاضي من قبل حملة ترامب باعتبارها لا أساس لها. في الواقع، بدا محاميا ترامب، رودي جولياني وسيدني باول، وكأنهما يضحكان على نفسيهما بسبب تآمرهما، لكن هذا هو الانهيار الهائل في السياسة الأميركية، والحقيقة أن الملايين من أنصار ترامب يعتقدون حقًا أنه فاز في الانتخابات بأغلبية ساحقة، وأن بايدن يتولى منصبه من خلال انقلاب على الإرادة الديمقراطية للشعب بمساعدة وتحريض من قبل الدولة العميقة ووسائل الإعلام “الإخبارية الوهمية” الخاصة بها.
حاول ترامب وأعوانه التحريض على انقلاب، وإن دعوته الجماهير للاعتداء على العملية السياسية هو عملية ديماغوجية فاشية، وهناك أسئلة مقلقة حول كيفية السماح بحدوث هذا الهياج، كيف تمكن الآلاف من أنصار ترامب من التغلب بسهولة على حراس الأمن في مبنى الكابيتول؟ من الواضح أن قلب حكومة الولايات المتحدة كان خاضعًا للرقابة وعاجزًا في إبعاد الحشود التي أزاحت الأسوار الأمنية، ولماذا استغرق الحرس الوطني والأجهزة الأمنية الأخرى عدة ساعات لطرد الحشود من الغرف والمكاتب الحكومية؟ فبدا أن العديد من المتظاهرين غير مهتمين بالاعتقال.
تقول تقارير إعلامية إنه تم إلقاء القبض على 52 شخصاً من أصل آلاف المتظاهرين الذين قاموا بغزو الكابيتول بالقوة، قُتل أحدهم برصاص ضباط الشرطة، لكن الأعداد المنخفضة نسبيًا لعمليات الاحتجاز تشير إلى أن أنصار ترامب لديهم الكثير من التعاطف مع قوات الأمن.
يمكن للمرء أن يكون على يقين من أنه إذا كان المحتجون من Black Lives Matter قد حاولوا غزواً مشابهاً لمبنى الكابيتول أو الجماعات اليسارية المناهضة للحرب، فستكون هناك عمليات إطلاق نار مميتة بالجملة من قبل ضباط إنفاذ القانون ما يؤدي إلى وفيات كثيرة.
قد يشهد الأسبوعان المقبلان تصاعد العنف في جميع أنحاء الولايات المتحدة، على الرغم من الإدانات الصاخبة، يبدو أن ترامب وأنصاره شنوا هجومًا مروّعًا مع الإفلات من العقاب على المؤسسات السياسية.. والأنوار لم تعد مضاءة تمامًاً.
بقلم: فينيان كننغهام
المصدر Strategic Culture