صلاح جاهين.. وانكسار الحلم النبيل

الثورة أون لاين – علي الأحمد :

“ياعندليب، ماتخافش من غنوتك..
قول شكوتك واحكي على بلوتك..
الغنوة مش ح تموتك إنما..
كتم الغنا هو اللي ح يموتك..
” عجبي”
لم يكن يملك إلا قلمه وريشته الساحرة، وبعض من جراحات وعذابات الحياة، التي خدشت روحه المتمردة، وأعطبت قلبه العليل، لكنه كان يملك أيضاً، حلماً صغيرا ونقياً بحجم وطن ،كتب له قصائد صادقة ووفية، تنبض بالجمال والحب، وتعبّر بصدق عن قضاياه الجوهرية، خاصة إبان فترة المد القومي العربي، وما شهدت من أحداث هزت هذا الشاعر من الأعماق، ووضعته مباشرة في قلب معركته الوجودية، في مواجهة الظلم والفقر والتخلف بأشكاله وأقنعته المتلونة. وفي هذه الفترة كتب أعظم أشعاره التي غناها الشعب مثل “صورة، وبالأحضان، والله زمان ياسلاحي، وغيرها من روائع خالدة.
ترك صلاح جاهين، إرثاً كبيرا وممتدا، من تجليات الروح الأصيلة،المتشبعة بجماليات وسحر الفنون والملاحم الشعبية، التي هي بالمحصلة فن وفلسفة حياة، نجده حاضرا ومبدعا في الشعر، والرسم، والكتابة للمسرح، والسينما، ومسرح العرائس، والفوازير، والأوبريت، والغناء والتمثيل، وحتى في كتابة الأغاني للأطفال، والترجمة وغيرها ، وعلى ذكر الأوبريت، كان يحلم حلماً جميلا يعلم أنه أقرب الى العبث أواللامعقول ، وهو أن يرى في كل قرية عربية “أوبرا، ومتحف” إنه حلم الأنقياء في هذه الحياة والأوفياء لها لآخر المدى .
كان “صلاح جاهين” بالفعل بمثابة موسوعة حقيقية تمشي على قدمين، وعبر هذه الفنون جميعا، كان دائما، أكثر قرباً للإنسان وقضيته وحلمه المشتهى في الحياة.ومن أجل هذه الرسالة النبيلة ، خاض حروباً ومعارك فكرية لم تنتهي، ضد كل مايشوه وجهها الجميل، وهو كان يدرك كـ”سيزيف” أنه محكوم بالفشل لكنه سيمضي في التحدي إلى النهاية المحتومة ، مهما كانت الصعاب. ، كان يبحث دائما عن الفرادة في كتاباته الثرية والغنية بالصور اللماحة الموحية، وكأنه يصوغ بشعره العالم، على هيئة سؤال وإشارات استفهام لاتنتهي، يقول :
ياباب أيا مقفول امتى
الدخول
صبرت ياما يللي يصبر
ينول
دقيت سنين والرد يرجع لي :
مين؟
لو كنت عارف مين أنا… كنت
أقول
من أشهر أعماله الكبيرة شعراً ” كلمة سلام” وموال عشان القنال، والقمر والطين، والرباعيات، وقصاقيص ورق، وأنغام سبتمرية، آخر أعماله كتبها عام ١٩٨٤، وللمسرح نذكر ” الحرافيش، وايزيس، والثورة، وللسينما” خلي بالك من زوزو، وأميرة حبي أنا، وشفيقة ومتولي، وعودة الابن الضال، وغيرها، وللتلفزيون ” فوازير نيللي، ومسلسلات” هو وهي “، وهاشم وروحية، كما شارك تمثيلا في أفلام” لا وقت للحب، واللص والكلاب، وشهيدة الحب الإلهي، والمماليك، ووداعا بونابرت، وغيرها وكتب للأطفال، العمل الساحر “الليلة الكبيرة” من الحان الموسيقار سيد مكاوي، و”الشاطر حسن” والفيل النونو الغلباوي، وقائمة لاتنتهي من الابداع المائز الملتزم بقضايا الوطن والإنسان، رحل هذا الشاعر الفنان بعد أن انكسر حلمه الكبير، خاصة بعد نكسة حزيران المريرة، التي تركت آثارها وندوبها العميقة على نفسيته وعطاءه الفني المتفرد ، لتذوي روحه المتمردة باكراً، وينكسر قلمه وريشته الساحرة الفاتنة الى الأبد، لأنه ببساطة، كان يسعى لمعانقة المستحيل الذي كان يبتعد عنه كلما اقترب منه، يقول الناقد الدكتور ” جابر عصفور :” إن شعر صلاح جاهين بمقدار مايحمل من درامية، يحمل بين طياته تعدد مستويات اللغة، وهذا التعدد جزء من درامية القصيدة في الوقت نفسه، يقول :رحيلاً رحيلاً بغير هوادة/رحيلاً فإن الرحيل سعادة /عبادة /إرادة /سيادة /ولادة /رحيلاً… إلى أين ليس يهم /وليس يهم بأي وسيلة…
ولعل اللافت للانتباه في المقطوعة كلها – وهي بالفصحى – تأكيده فكرة الرحيل، أو الانعتاق، حيث الخروج من سجن المكان، الذي ضاق بعاشقيه، والزمان الذي أحبط أماني المتطلعين الحالمين بمستقبله الذي بدا واعداً، خصوصاً حين تبدل المكان والزمان واستحالا الى واقع للضرورة، محاصر، كئيب، والانطلاق ليس سفراً في الزمان والمكان، إنما هو سفر في الوعي، المعرفة، سفر لاكتشاف الذات وإعادة اكتشاف العالم، الذي ازداد قبحاً، بعد هزيمة ١٩٦٧ وما أدت الى تدهور الدولة القومية، وأحلام هذا المشروع.

آخر الأخبار
معسكرات تدريبية مجانية للنشر العلمي الخارجي بجامعة دمشق "كايزن".. نحو تحسين مستمر في بيئة العمل السورية نحو اقتصاد سوري جديد.. رؤية عملية للنهوض من بوابة الانفتاح والاستثمار بناء اقتصاد قوي يتطلب جهداً جم... اليابان تدرس.. ونائب أمريكي: يجب تعزيز التحالف مع سوريا استطلاع (الثورة) للشارع السوري في فرنسا حول رفع العقوبات مسابقة الخطلاء للشعر النبطي تخصص لسورية صيدلية مناوبة واحدة في مدينة طرطوس والنقابة توضح حذف الأصفار من العملة.. ضرورة أم مخاطرة؟! تأخر في استلام أسطوانة الغاز بدرعا مرسوم رئاسي بتشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية نقل مواقف الباصات لجسر الوزان .. بين الحل المروري والعبء الاقتصادي مرسوم رئاسي بتشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين قوافل حجاج بيت الله الحرام تبدأ الانطلاق من مطار دمشق الدولي إلى جدة مرسوم رئاسي حول الهيئة العامة للتخطيط والتعاون الدولي "السورية للمخابز": تخصيص منافذ بيع للنساء وكبار السن  د. حيدر لـ"الثورة": زيادة "النقد" مرتبط بدوران عجلة الاقتصاد  وفد صناعي أردني  و٢٥ شركة في معرض "بيلدكس" وتفاؤل بحركة التجارة نوافذ التفاؤل بأيدينا...    د .البيطار لـ"الثورة": الدولة ضمانة الجميع وبوابة النهوض بالمجتمع  "الاختلاف" ثقافة إيجابية.. لماذا يتحول إلى قطيعة وعداء؟ الأمم المتحدة تكرر رفضها لخطة المساعدات الإسرائيلية الأمريكية لغزة