الثورة أون لاين – ريم صالح:
قيل قديماً الصورة تعادل ألف كلمة، فكيف لنا أن نقرأ ملايين الصور، ومقاطع الفيديو، واللقطات التي صورت، ووثقت، وفضحت كل ما جرى في الكابيتول، وأين في قلب أمريكا، وتحديداً في مبنى الكونغرس، هذه المؤسسة التي تعتبر المؤسسة الدستورية الأولى في الولايات المتحدة، كما أنها تعتبر الهيئة التشريعية في النظام السياسي.
وسواء ما جرى في الكابيتول يوم 6 كانون الثاني كان محاولة انقلاب فاشلة، أم كان تعبيراً عن الغضب لهزيمة الرئيس السابق دونالد ترامب أمام خصمه الديمقراطي جو بايدن، فإن المؤكد أن ما جرى كشف عورة الديمقراطية الأميركية المزعومة، لما تخلله من أحداث دامية، وفوضى، ونهب وسرقة متعمدة، وبلطجة وتخريب.
البعض سمى كل من زحف إلى الكابيتول من أنصار ترامب بالمؤيدين له، أو مناصري الحزب الجمهوري، بينما بايدين ومعه الحزب الديمقراطي سموهم بالإرهابيين المحليين، والكثير من المواقع والصحف العالمية سمتهم بالقتلة، والإرهابيين والمجرمين، ليبقى السؤال وبغض النظر عن التسمية المناسبة لتلك الزمرة، هل ما حدث في الكابيتول هو حدث طارئ مرده حالة التحريض والشحن التي مارسها الرئيس المهزوم على أنصاره ومؤيديه، أم أنها ثقافة متجذرة في العقلية والسلوك الأمريكي؟!.
الجواب بسيط، فبمجرد أن نضع اسم أمريكا على أي محرك بحث لوجدناها تتصدر القوائم عالمياً، بل وربما كونياً، أو حتى تتفرد بها، من حيث أنها الأكثر إرهاباً، والأكثر إجراماً ودموية، والأكثر عنصرية، والأكثر استثماراً للشعارات البراقة لتمرير أجنداتها الاستعمارية، بينما باقي الدول الاستعمارية لا تغدو عن كونها نقطة في بحر إرهاب أمريكا وإجرامها.
تاريخ الولايات المتحدة حافل بالمجازر والحروب، وتهديد الأمن والسلام والاستقرار أيضاً، فهذا القطب الأوحد قام منذ بدايته على إفناء الآخر وإبادته، حتى يبقى الأمريكي هو المهيمن، بدءاً من تلال جماجم الهنود الحمر، مروراً بضحايا هيروشيما وناكازاكي، دون أن ننسى أرامل ويتامى وثكالى أفغانستان والعراق، وصولاٌ إلى محاولة ابتزاز السوريين وخنقهم بإجرائها القيصري العدائي.
ثم من منا لا يذكر جورج فلويد الذي لم يكن القتيل الأول، وكذلك لن يكون الأخير في أمريكا؟!، من منا لا يعرف كيف قتل، ولماذا قتل، وعلى يد من قتل، وكيف كان رد ترامب آنذاك؟!
الاحصائيات تقول إن الشرطة الأمريكية تقتل نحو 1100 شخص سنوياً في الشوارع، أكثر من ربعهم من السود، رغم أن نسبة السود في الولايات المتحدة لا تتعدى 13 في المائة، ماذا يعني ذلك؟!، ألا يعني أن العنف والإرهاب ولغة الدم والرصاص والنار هي ثقافة متجذرة في العقلية والمفاهيم الأمريكية؟!.. ألا يعني أن الأمريكي يمكن له أن يقوم بأي شيء، وأن يقتل بدم بارد، ودون أن يرف له جفن، وربما لا لشيء، أو لسبب مقنع، وإنما محاولة لإرضاء الذات الإجرامية لديه، أو تعبير عن كرهه للآخر، ورفضه لمجرد الإحساس بأنه يختلف عنه أو أقل منه؟!.
الكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي في كتاب له بعنوان “الغزو مستمر،501 سنة” أكد أن ثقافة الغزو، وبالتالي العنف هي التي تحكم السياسة الأمريكية، فهي لا تستطيع العيش بدون حرب أو غزو، وذلك كانعكاس لحالة التشكل التاريخي لها.
الخلاصة أنه سواء كان العنف الخارجي للولايات المتحدة انعكاسا للعنف الداخلي أم العكس،أم أنهما نتاج عملية التكوين التاريخي للكيان الأمريكي، إلا أن العنف هو مفهوم متجذر داخل كل أمريكي، ويكفي أن ننظر بتمعن لنجد هذا الإرهاب والعنف الدموي مستشريا في أمريكا بدءاً من أطفالها حتى كهولها، ومن استخدام السلاح من قبل الأطفال في المدارس والذي يحصد أرواحاً كثيرة كل عام، مروراً بهوليود وشخصية الأبطال الأمريكان التي تتعمد تقديمها، فالبطل الأمريكي إما قرصان، أو كاوبوي، أو “مارينز” كما يعرض حديثاً، ومن هذا وذاك وصولاً إلى محاولة غزو العالم بأسره وتحويله إلى مستعمرة كل مهمتها تقديم فروض الطاعة والولاء والثروات والخيرات لنظام الإرهاب والبلطجة الأمريكي.
لا ديمقراطية في أمريكا.. وإنما هو وجهها الحقيقي الإرهابي الدموي يتجلى في أوضح صوره اليوم، ولمن يشكك فليراجع أحداث الكابيتول، ولمن يجادل فلينصت إلى حديث الضحايا والمنكوبين.