الثورة أون لاين-فاتن أحمد دعبول:
” بديع صقور رجل شامخ، نظرته كسماء مليئة بالعصافير، يداه أوراق خريف من دون رياح، جبهته كريستالية تنكسر في صحراء لاتنتهي، شاعر، رجل، أنيق، قبلة من الروح، عصفور يتماهى في عصفور..” الكاتبة التشيلية ليليان روت أوريبي.
هكذا قرأته الكاتبة التشيلية، فكيف قرأه د.غسان غنيم في الندوة التي حملت عنوان” قراءة في التجربة الشعرية للأديب بديع صقور، المقامة في مركز ثقافي” أبو رمانة” بمشاركة د. آداب عبد الهادي وتقديم الأديب أيمن الحسن؟
حميمية الذكريات
يقول د. غسان غنيم “شيقة هي سيرته، وربما يكمن جمالها بالإضافة إلى لغتها وشعريته وذاتيتها غالبا، في حميمية الذكريات ومشاركة قارئها لكاتبها لحظات مهمة في حياة كاملة، تتلون فيها بالتعب والحزن والبكاء والفرح والسعادة، ففي كتابه” زهرة الريح وتبقى الجبال” قصة حياة تعمدت بالشقاء في معظم مساحتها، ترجمها بلغة شاعرية أرخها بنصوص تفيض عذوبة ونقاوة وشفافية.
نصوصه أقرب إلى الشعر الذاتي بداية، ثم تتحول إلى سيرة عذاب ومعاناة يتخللها بعض ألق وبعض فرح وبعض حكمة مما خزنته السنون في وجدان حساس تفيض فيها اللغة بساطة وأنساً من دون أية فذلكات تدخل المتلقي في متاهة أو أحجية قد تكون محببة، إلا أنها كروح الأديب شفافة سمحة بسيطة صافية.
وأما التقنية، فكانت تقوم على نصوص يختلط فيها الأدب بالسيرة، بالذكريات المعجونة برائحة المكان وعبق مطره وزهره وينابيعه، وفي كل نص يسرد حادثة أو حوادث بأسلوب قصصي، سِيْري، ثم يخرج بمقولة أو حكمة، وذلك يتضح في نصه” ذكريات عن الجور” يتحدث فيها عن كل مايسبب الجور في وطن سماه” زهرة الربيع” ويخرج بمقولة” الحياة لاتعطي لكوخنا بابا .. كيف تريدها أن تعطي لأقدامنا دروبا؟”
ويضيف غنيم: نصوصه لايمكن أن نصنفها ضمن نمط منجز من أنماط الأدب، لكنها تفيض مشاعر وأحاسيس، إنها روحه يسفحها فوق الورق، يختلط فيها أسلوب القصيدة والقصة القصيرة والرواية والسيرة وربما المقالة أحيانا.
الأديب بديع صقور الذي يبدو في” زهرة الريح” مسكونا بالماضي القاسي المستعاد بألق وجاذبية وجمال الذي يحمل ذكريات فتى عجنته المعاناة القاسية وصقلته الأيام ورحلة العمر، ليقدم في شعره روحا شفافة بهية بحب البشر والتاريخ والأرض والشمس والمطر، إنه زهرة الريح، عود القصب، عصفور الدوري.
فارس الحداثة
واستطاعت د. آداب عبد الهادي عبر عرض تقديمي على الشاشة أن تقدم ماقاله الأدباء والنقاد عن الأديب بديع صقور منذ العام 1980 حتى العام 2020 وكل ماقيل فيه من مقولات ودراسات نقدية، وهذا العرض مدعوم بصور كانت قد نشرت في الصحف والمجلات للكاتب صقور، وبينت بدورها أن الأديب بديع صقور يكتب الشعر بالقصص ويكتب القصص بالشعر، وهو لايشبه إلا نفسه، ومايميز كتابته الحداثة، إنه يكتب العبارة البسيطة وبلغة بسيطة، ولعباراته موسيقا ووزن رغم تمردها على فنون العروض جميعها.
ومن العبارات اللافتة التي تحدثت عن الأديب صقور” لغة شعرية طرية ومصورة، لوحات معجونة بطيب الأرض ودموع الناس، جعل الأديب بديع صقور أمكنته تروي ذاتها على ورق من تعب وشوق وانتظار ..”ومن هذه المقولات يدرك الشاعر كيف يتعامل مع اللغة، وكيف يتعامل مع المفردات، وكيف ينسق المشاهد الشعرية في إطار من الخلق والإبداع، لقد منحته الذاكرة كثيرا من الفرص ليثبت فيها أنه قادر أن يمنحنا تلك العذوبة في عالمه الجميل”.
نقش على القلوب
وبدوره عبر الأديب عن سعادته بالانطباع الذي تتركه كتاباته في نفوس الناس وقال: أحاول أن يكون لي مدرسة وتكون صوتي الذي يشبهني تماما في علاقتي مع الطبيعة المبنية على الحب كما علاقتي مع الإنسان علاقة حميمية، وحين نكتب، نرسم كلماتنا على لوح القلب، لأن مايكتب في قلوب الناس لن يموت أبدا ..
لغتي إنسانية ترتبط بالإنسان، بالحياة، بالحب، بالأمومة والطفولة .. وأشعر انني مازلت في البداية ومازال في الجعبة المزيد من الحب والذكريات المشوبة بالحنين تارة والحزن تارة والعشق في أحيان أخرى.