من الضروري أن يكتب الفنان أو الأديب سيرته الذاتية، حتى لا يأتي غيره بعد رحيله، ويعطي عنه صورة مزيفة أو غير صادقة، وحافلة بالأخطاء والمغالطات، ولقد كتب نزار قباني سيرته الذاتية في كتاب “قصتي مع الشعر” ويمكن اعتباره المرجع الأساسي لأصدق ما يقال عنه. وفي الفن التشكيلي أعطى الفنان والناقد التشكيلي أسعد عرابي صورة بانورامية شاملة عن تحولات تجربته الفنية في كتابه (شهادة اللوحة في نصف قرن) الصادر عن صالة أيام عام 2007 ولقد استشهدت بهما على سبيل المثال لا الحصر.
إلا أن أكبر مشكلة وقع فيها معظم النقاد العرب الذين ألفوا كتباً توثيقية ونقدية عن الفن التشكيلي الحديث قي بلدانهم، فتكمن في أنهم خصصوا لأنفسهم مساحات وصفحات في تلك الكتب لا يستحقونها، خاصة وأن إمكانيات أكثرهم متواضعة ومحدودة، وليس عند معظمهم إنتاج متواصل. وبذلك جاءت صفحاتهم التي احتفوا فيها بأنفسهم كفنانين وليس كنقاد، بين صفحات كبار الفنانين الرواد والمبدعين، وبعبارة أخرى كل ناقد عندنا تتاح له فرصة إصدار كتاب توثيقي، يساوي نفسه فيه مع كبار الفنانين، حتى أن أحد هؤلاء أصدر كتاباً تحت عنوان: “التشكيل السوري المعاصرـ علامات مميزة” استعرض من خلاله تجارب عشرين اسماً فقط، وجعل نفسه واحداً منهم، وبذلك اعتبر نفسه واحداً من عشرين فناناً ظهروا على مدى أكثر من مئة عام، أي من جيل توفيق طارق، إلى ما بعد جيله. فهل الذين سيعتمدون على كتابه مرجعاً في كتبهم وطروحاتهم ومقالاتهم وبرامجهم سيعرفون ذلك.
من جهة أخرى معاكسة وبالعودة إلى الكتاب الذي وضعه الفنان والناقد فيصل سلطان، نجد بأنه لم يخصص فيه صفحات للحديث عن لوحاته، وبذلك شكل أنموذجاً راقياً، وأعطى كتابه مصداقية مطلقة، لاسيما وأن قراءاته النقدية التحليلية، هي بالأساس أكثر فهماً ودقة وموضوعية وسحراً.
نخلص إلى القول بأن الناقد ـ الفنان الذي يسعى إلى تسليط الضوء على أعمال الفنانين والفنانات في كتاب توثيقي أو مرجعي، ولا يتكلم عن نفسه فيه، ويترك للأخرين أن يتكلموا عنه، في كتب أخرى، سلباً أو إيجاباً، يكون قدم رسالة ثقافية للمجتمع بعيدة عن مظاهرالتضليل والنفاق والادعاء.
رؤية – أديب مخزوم