الثورة أون لاين- رنا بدري سلوم:
بلا مقدمات يُدخلنا القاص عصام حسن إلى عوالمه الخاصة سارداً لنا قصصاً واقعية قد نراها في مجتمعاتنا المحافظة إلا أننا نتهرب من طرحها، فيفردها لنا حكاية تلو الحكاية على طاولة التحليل فيجيد وصفها ويشدنا معه ببساطة متقنة ويدهشنا بقصص العقدة المقلوبة، لاعباً لعبة الأزمنة بأسلوب شيّق شفيف حرّ، وكأنه يقول لقرائه كما في قصة ماريانا التي اختارها عنواناً لمجموعته القصصية” في أحد الاجتماعات الروتينيّة، وأثناء مناقشة النصّ، عرفتْ أنّ الأستاذ جهاد حذف من المشهد الأخير قبلةً غراميّةً بين العاشقيْن، وعلّل الأمرَ بالقول: “إنّ النصّ مُترجمٌ كما تعلمون، ولم يُكتب ليُعرض في بلادنا، لذا قمتُ بتلطيف بعض المشاهد بما يخدم العرضَ ولا يخدش الحياءَ العام.”
ولعل معظم نهايات قصص “قبلةٌ لماريانا” طباعة دار التكوين، فيها شيء من تلطيف الكاتب للواقع بعد إبداء وجهة نظره كأحد المقومات الأساسية للقصة، حيث يتعمق القاص ويتقصى ويديم النظر للأحداث القصصية ليكسبها قيمة إنسانية خاصة مع ارتباط زمانها ومكانها وعرض ما يتخللها من صراع مادي أو نفسي وما تمر به الشخصيات من مصاعب وعقبات بطريقة مشوقة تنتهي إلى غاية الكاتب الوجودية.
فمن الملفت أن عنوان القصة يفضح المضمون، مع الحرفية العالية للقاص برسم الشخصية القصصية التي رسمها بدقة بدءاً من اختيار الاسم مروراً بانسجام الشخصيات مع مستواها المادي والاجتماعي والثقافي وارتباطها بالبيئة أو الموروث من العادات والتقاليد، وصولاً إلى الأحداث التي يمر بها أبطال قبلة لماريانا فهي أحداث جزئية واقعية بتراكيب ومفردات ولغة عاطفية وجدانية إن أجدت القول.
لم يترك عصام حسن وهو الفنان التشكيلي الرسم بل لابد وأنك حين تقرأ له تلاحظ عينه الثالثة في رسم شخصيات قصصه الخيالية حيناً والواقعية أحياناً أخرى مخصصاً لذاته الفنية قصة ” اللوحة “26 في مجموعته القصصية التي ذكر فيها ” تذكرت حين انتقدني أحد أساتذتي قائلاً ” أنتَ لا ترسم الواقع كما تدعي بل الواقع هو الذي يرسمك..لم أفهم حينها المقصود، لكنني تابعت عملي بالأسلوب ذاته، وغرقت أكثر في تفاصيل حياة الناس: من سوق الخضار، إلى الساحات العامة والمقاهي والطرق الضيقة فإلى شاطئ البحر والصيّادين وشباكهم وقواربهم الصغيرة الملوّنة، مضت الأيامُ وأنا غارق بين أدوات الرسم والألوان وأصوات جيراني العمال وبدأت تظهر اللوحة بشكلها النهائي: تمور بالحركة وتغص بالأحمر”. فهو حاقد على اللون الأحمر يكتب بطريقة غير مباشرة وجه الحرب ونزف الدماء والأشلاء والدمار.
تطرّقت المجموعة القصصية التي تحوي ستّ عشرة قصة قصيرة إلى “ذكورية المجتمع، المساكنة، الخيانة الزوجية، علاقات التواصل الاجتماعي، القيم الأخلاقية التي قد تهز عرشها آفات الفقر والجوع والعوز والجهل، فنأسف ونتعاطف مع الشخصيات الأساسية والثانوية، ونرنو مع القاص إلى حلم أكثر جمالاً ونتأمل في لوحاته الفنية القصيرة التي رسمها عصام حسن بتأنٍ وتريثٍ لتصبح لوحته الخاصة أكثر تمازجاً مع الواقع كمثلث لطيف مزركش بالألوان ينوء تحت ثقل مربع يفور بالدم كما وصف لنا في انتصار الأنوثة في لوحته26.