الثورة أون لاين – ترجمة مها محفوض محمد:
إذا كان الحاضر يقودنا إلى رصد التاريخ من الوجهة الأمريكية ، فالعالم كله يعيش لحظات تاريخية مع التبعات القادمة لما يحصل في الولايات المتحدة ، حيث ما جرى في واشنطن في السادس من هذا الشهر كان صادماً ، قدمته الصحافة الفرنسية بمجملها كهجوم وحشي على حرم الكونغرس من مناصري ترامب : “عصابة من متآمرين ورافضين ونازيين جدد (بحسب صحيفة لوموند) جميعهم امتثلوا لأوامر رئيس سيء خاسر” ، ليس هذا فقط إنما مع شعارات تحريض من معارضين يجوبون المجتمع الأمريكي ، الوضع في الولايات المتحدة يزداد تعقيداً وفوضى ، هيجان منظم مظاهرات مدفوعة للتحريض على العنف ، وسائل إعلام فاسدة مرتشية يتم استخدامها لخدمة أجندات معينة” .
بول غريغ روبرتس عالم اقتصاد ومساعد وزير الخزانة في عهد ريغان كتب يقول : لم يخطر في بالي يوماً أن أتساءل هل الحرب الأهلية هي مستقبل الولايات المتحدة ، وهل تتحول إلى حرب عالمية ، مراكز القوى المسيطرة هنا تسير باتجاه نظام سلطوي عماده الأجهزة الأمنية والرقابة و تقييد الحريات ، الخبراء لا يسمح لهم بالاعتراض على الرواية الرسمية حول كوفيد ١٩ في المؤتمرات ، المعلمون يتم توقيفهم عن العمل لإذلالهم ، نجوم غناء تتخلى عنهم استديوهات التسجيل لإجبارهم حضور مباريات الرالي لترامب ، تخويف وتهديد وأنصار ترامب هم المحرضون ، آباء يشي بهم أولادهم و يطردون من عملهم ، البيض عنصريون لا يخفون عبارات حقدهم ، سياسة الهوية قسمت الناس في جميع أنحاء البلاد ، قمع المخالفين بالرأي ، فالرقابة على سلوك الناس أكثر ما يميز هذه الدولة البوليسية .
هل فكرتم بهذا الوضع ، فمجرد استخدام الأسماء يمكن أن يكون مراقباً ، وهذا ينسحب على أشياء أخرى ومن ثم تتم شيطنة الأشخاص المستهدفين ، الأمر الآخر هو موضوع السلاح المرتبط بأنصار ترامب حيث أصبح عملة متداولة في مناطقهم وهذا خارج نطاق القانون ، والولايات التي تتبع ترامب هي أغلبية فماذا يفعل الجيش الأمريكي؟ إن رؤساء هيئة الأركان والتجمع العسكري والأمني هم أقرب إلى المؤسسة الترامبية وليسوا ضدها ، أما الجنود فهم خليط في العرق والجنس لذا سينقسمون ، والشباب في المعسكرين حسب تربيتهم أو تدريبهم ، فكثير من البيض ذهبوا إلى الجامعات و خضعوا إلى غسيل دماغ ضد بعضهم البعض وهم يستندون إلى غرائز و خلفيات عنصرية .
كتبت صحيفة اللومانيتيه : في الأسبوعين الأولين من عام ٢٠٢١ هناك ٤٣ ألف وفاة في الولايات المتحدة من فايروس كوفيد ١٩ ، وبحسب مراكز طبية يمكن أن يموت ٩٠ ألف خلال ثلاثة أسابيع ، فهذه الكارثة الصحية مرتبطة مباشرة بالأزمة السياسية التي لا سابق لها والتي اندلعت مع التمرد الفاشي الذي حرض عليه ترامب والتهديدات بالعنف في جميع أنحاء البلاد يوم تنصيب جو بايدن .
في وسائل الإعلام لم يحاول أحد ربط محاولات ترامب إسقاط الدستور مع عدم اتخاذ أي إجراء لإيقاف انتشار الفايروس ، وبعد انتخابات تشرين الثاني ألح ترامب على أنه يجب أن يبقى في السلطة دون الاكتراث بالوباء في الوقت الذي يزداد فيه عدد الوفيات ، وبتوضيح مصالح الطبقة التي تبرر هذه السياسة المجرمة حيّا ترامب ارتفاع أسعار البورصة المهيئة لتحطيم جميع الأرقام القياسية ، وكما جاء في عناوين الصحافة : ” سياسة الإجرام لهذه الطبقة في مواجهة الوباء هي أساس الأزمة السياسية بشكل لم يسبق له مثيل في الولايات المتحدة حيث إن النخب الحاكمة لجأت إلى طرق أكثر فأكثر عنفاً وديكتاتورية ، إنها ديمقراطية مريضة وفاسدة أخلاقياً لغرب ينحدر ، الحزب الديمقراطي يخشى تمدد الحركة داخل الطبقة العاملة والتي قد تتحول إلى صراع مع الطبقة الحاكمة و النظام الرأسمالي .
حاكم نيوريورك ديمقراطي قدم العرض الأكثر وضوحاً لصالح إعادة فتح الشركات ، وهو الذي يحكم ولاية نيويورك المكان الأكثر في التفاوت الطبقي في العالم ، حيث يعيش ١١٣ مليارديراً ، والأثرياء الأمريكيون اليوم هم أكثر غنى بعد الوباء ، فالملياردير إيلون ميسك أصبح الأغنى في العالم إذ يملك ٢٠١ مليار دولار حيث زادت ثروته ١٧٠ مليار دولار ، في الوقت الذي مات فيه ٤٠٠ ألف أمريكي من الجائحة ، وخسر ١٠ ملايين موظف عملهم ، مع الموت بالجملة وانهيار الديمقراطية الأمريكية تحركت الأسواق المالية بقوة نحو الأعلى .
ففي مقال لواشنطن بوست تحت عنوان : ” لماذا لا تقلق البورصة من هيجان الكابيتول ” تقول : لقد تعامت السوق عما يحصل في السياسة ، نريد التفكير بأن الديمقراطية هي أفضل ، لكن في نهاية المطاف المستثمرون لا يهتمون لهذا الأمر ، والدفاع عن حقوق الديمقراطية أصبح كالحفاظ على الحياة من هذا الوباء ، رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس سخر من المستقبل الأمريكي قائلاً : الانتقال السلمي للسلطة والاستثنائية الأمريكية وإيماننا بأننا نموذج مدينة مضيئة قائمة على تلة كثيرٌ علينا ، معتبراً أن الحادثة تشكل نهاية الاستثنائية الأمريكية في العالم ، وبدء سقوط نموذجها الذي شغل العالم منذ نهاية الحرب.