الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
عندما تتأمّل في الوجوه التي تصادفك، وتجدها لائبة تبحث عن حقيقتها، عليك أن تفتش في نظراتها، لاستكشاف المخفي من حكاياتها. خفايا ملامحها الضبابية التي تشي بذاكرةٍ مُتخمة بصورِ ومفرداتِ الألم، بل القهر الذي فرضه زمنٌ حمّل أرواح وعقول أصحابها، مالا يُطاق أو يُحتمل.
تتأمّلها.. تحاول قراءة تفاصيلها.. ماذا تقرأ، ووراء التيهِ الذي تراه فيها، ألف قصّة وقصّة؟!!.. بماذا تعنونُ رؤاكَ، وفي كلِّ رمشةِ عين لها، تستشعر الدمعة تنهمر، فتتلقّفها آهة وغصّة؟!!.
وجوهٌ مُستلَبة وشاحبة وهائمة، وأخرى مكفهرّة وحزينة وواهمة.. صاخبة وغاضبة ومُعاتبة، لا مبالية ومفتقدة وعاجزة، غالباً ما تراها مدلهمّة ومستكينة وضعيفة، ونادراً جداً، مبتسمة أو مشرقة وشغوفة.
هي وجوهنا فأينها؟!!.. أينها تلك الوجوه المتّقدة بحياةٍ، لم تعبّدها نيران الحربِ وآفات العقائد، بالدمعِ والدمِّ والعزلة والبلاء؟.. أينها تلك الوجوه التي لا يليق بها التجمّل لطالما، تشوّهت تضاريسها بخطايا وندوب وذنوب الغرباء؟!.
أينها تلك الوجوه التي لا تجدها متسربلة بويلاتها، وصارخة أبدَ فجيعتها: كفاكِ يا حمّى الأفكار، حوّلتِني إلى مقبرة، لا تصحو فيها ذاكرة، إلا لتعود وتغفو مع غفوة الاحتضار.
نعم هي وجوهنا التي دفنّا فيها حياتنا، فأحيتْ حكاياتنا.. وجوهنا التواقة للخلاصِ من دمعتها ولوعتها وحيرتها.. وجوهنا التي باتت غريبة عنها وعنّا.. لا لون فيها أو لها، إلا السواد الذي رشقها به حقد عالمٍ، أغاظه ما كانت عليه ذاتَ أمانٍ تغنّت فيه الحياة بشاسعِ فرحها وجمالها.
هكذا أصبحت وجوهنا.. ذاكرة أرهقتها تفاصيلها الجريحة والنازفة، تعابيرها الموجوعة والعارفة، بأن ما يوجعها أكثر، عجزها عن خلعِ ذاتها في زمنٍ يسعى لأن يشوّهها، لكنه المشوّه الأكبر.
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء19-1-2021
رقم العدد :1029