الثورة أون لاين – هناء الدويري:
“أخذ الحقد يأكل قلبه وهو يرى أطلال الدار،إنها لاتزال قائمة، غير أنها باقية الآن بحوزة اليهود، فهو محروم منها، لقد استبدل بها غرفة صغيرة حقيرة يسكنها مع أبيه وأمه وأخته في الطرف الآخر من خط النار، من الحدود المخضبة دوما بالدم ” مقطع صغير من قصة (التراب الحزين) للكاتب المبدع والدبلوماسي العاشق لفلسطين بديع حقي المولود عام ١٩٢٢ وتمرّ ذكرى رحيله هذه الأيام والقضية الفلسطينية تشغل بالنا كما شغلت باله طوال سنيّ حياته، حيث تجلّت حياة الفلسطينيين وقضاياهم الإنسانية في معظم كتاباته سواء القصصية أو الروائية وحتى المقالات التي كان يكتبها في الدوريات الصحفية.
حال اللاجئين الفلسطينيين وحنينهم إلى أرضهم بقي على حاله منذ الأربعينيات والسكن وأوصاف الحالة المعيشية ازدادت سوءا عما وصفه الكاتب بديع حقي، وحسن الفلسطيني الصغير لم يعد إلى قلقيلية بعد، والحنين إلى الأرض يزداد،والطريق الذي فتحتموه للعرب للنضال أصبح وعرا بتطبيع بعضهم، لكننا باقون على ماسيبرهنه المستقبل من صمود الشرفاء، فحكايات بديع حقي عن بطولات الفلسطينيين مقنعة لأن واقعيتها مسيطرة في أرجاء نصوصه رغم الاستعطاف والبكائية والكثير من الأبعاد الفلسفية والوجودية، والأهم من كل ذلك تسجيله لتاريخ الحركات النضالية والبطولات الفردية والجماعية ورصده وتوثيقه لما يحدث في محاولة لبثّ روح الحماسة في قلوب الناس وتأكيد دور البطولة وجدواها
رسائله إلى الشاعرة فدوى طوقان حروفها حنين لاذع وأشواق موجعة وصفحة من صفحات(أحلام على الرصيف المجروح ) ١٩٧٣ إحدى قصصه التي كانت وصية فاطمة اللاجئة فيها أن تُنقل عظامها لتدفن في مقبرة بحيفا، ويخبر الشاعرة فدوى كيف أن الأماني الكبيرة المبعثرة لدى عرب الشتات قد تقلصت وأضحت مقتصرة على قبر صغير من أرض فلسطين الواسعة المعذبة…
ولم يتردّد في محاكاة الحجر الفلسطيني وأنسنته في (حين يورق الحجر) وكيف ينقلب هذا الحجر لكائن حيّ فاعل في يدّ أطفال الحجارة وانتفاضتهم التي جابهت الرصاص الصهيوني…
أما عن طفولة حقّي وبعض من سيرة حياته فقد لخصها في(الشجرة التي غرستها أمي) ١٩٨٦ فلم يتكلّف في تلك السيرة، فقد شارك شجرة النارنج التي زرعتها أمه في أرض الدار ذكرياته الطفولية وأيام الصبا، أما الشجرة الثانية التي زرعتها أمه فكانت هو نفسه الشجرة الوارفة المفعمة بحبّ الحياة والمعرفة والثقافة…
عمل المبدع الراحل بديع حقي في السلك الدبلوماسي السوري من عام ١٩٤٥ وحتى عام ١٩٨٦ وتجوّل في العديد من البلدان العربية والعالمية ماأكسبه العديد من الثقافات واللغات التي جاء نتاجها جليا في ترجماته التي أثرت الأدب العربي ومنها (لاتزال الشمس تشرق) لإرنست همنغوي و(اللوحة) و(المعطف) ل غوغول، وروائع الشاعر الهندي رابندرانات طاغور (البستاني، جني الثمار، شيترا، ذروة الربيع)
كما ترجم للزعيم الغيني المناضل أحمد سيكوتوري (قصائد مناضلة)
إضافة إلى دراسة أعدّها عام ١٩٧٣ بعنوان(قمم في الأدب العالمي) تناول من خلالها سيرة خمسة كتّاب عالميين(لوركا، مالارميه،جويس، بروست، تولوستوي)
قامة أدبية ودبلوماسية وإنسانية بديع حقي الراحل ٢٣ كانون الثاني من عام ٢٠٠٠ مسيرة تزخر بالفن والأدب والاشتغال والانشغال بالقضايا الوطنية والقومية والإنسانية.