الثورة اون لاين:
يوم تمنّت تلك السيدة التي تدير شؤون الشاعر بشار بن برد أن يذكرها بشعره قال فيها..
رباب ربة البيت تصبّ الخلّ في الزيت ..
لها عشر دجاجات وديك حسن الصوت ..
حينها ثار عليه معجبوه وقالوا له …أنت القائل ..
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا.. ليل تهاوى كواكبه
ردّ الشاعر قائلاً… وماذا تريدون أن أقول فيها غير ذلك.. وظل بشار بن برد محلقاً في إبداعه لم يكسر ذائقته الفنية أبداً
ما نريد قوله إن الإبداع يعني الجمال والذائقة والهوية والانتماء ..
هذا ما أثبتته وقائع التاريخ والحياة وإذا ما أردت أن تكسر قيم شعب ما فعليك بالفن بألوانه كافة ..
شعر.. موسيقا ..رواية.. تشكيل ..
الحقيقة هذه تزداد رسوخاً وتظهر حروب تشويه الذائقة من خلال كل ما ذكرناه ..والفن التشكيلي ساحة مغرية لذلك ..
من هنا تجد أمامك وقربك آلاف اللوحات التي هي في أحسن الأحوال لطخ من البويا وتداخلات كل يفسرها كما يحلو له كما بقع روشاخ ..
وكاتب هذه السطور حين حاور ناظم الجعفري من أكثر من عقد ونصف من الزمن سأله عن رأيه بالفن التشكيلي هذه الأيام.. فكان ردّه أن هذا تخريب وليس فناً ومن لا يعرف التصوير الزيتي ليس فناناً..
بكل الأحوال ثمة حدثان فنيان وقعا العام الماضي وقبله ومرّا مرور الكرام عند البعض..
لكنهما لم ينطليا على الفنان المبدع عبد الهادي شماع إذ قدم دراسة مهمة حول ذلك في العدد المزدوج للحياة التشكيلية التي حملت الرقمين ١١٩و١٢٠ وجاءت الدراسة تحت عنوان ..موزة على جدار مدخل لقراءة راهن الفن التشكيلي ومستقبله ..
يقف في الدراسة عند ما حدث ٢٠١٩ إذ عرضت صالة أميركية عملاً للفنان الإيطالي كاتلان حمل عنوان كوميديان
العمل عبارة عن موزة حقيقية الصقت على لوح معدني …وتم بيعها بمبلغ ١٢٠ ألف دولار ..
طبعاً الموزة بعد أيام تعفنت وانتهى أمرها..ويشير أيضاً إلى سابقة أخرى حدثت عام ٢٠١٨ م في مزاد سوثبي بلندن إذ عرضت لوحة حملت عنوان ..الفتاة والبالون للفنان بانكسي وقد بيعت بمليون وأربع مئة ألف دولار .. ليس هذا الحدث إنما اللوحة قابلة للتمزيق الذاتي بعد بيعها فوراً …وفعلاً بعد بيعها تمزقت آلياً إذ كان الفنان بانكسي كما يقول شماع قد أخفى في داخلها فرامة ورق ..
وفي التحليل المهم الذي يقدمه في الدراسة يرى شماع أن تحطيم مفهوم خلود اللوحة قد لا يكون الغاية إنما غايات أخرى كثيرة.
منها اعتبار ذلك فنّاً وأي شيء مثله يقدم على أنه فن بغياب المرجعيات النقدية التي تحسم ذلك.
ما يريد شماع قوله بشكل علمي إن ثمة تخريباً منمنهجاً للذائقة الفنية ومن ثم جعل الفن لا قيمة له ..هذه الأساليب حرب على الأصالة والتميز وتساوي بين اللعب والإبداع ورسالتها أن لا شيء يستحق العمل …
وعلينا أن نلفت الانتباه إلى المبالغ الطائلة التي تباع بها هذه الخربشات ..
إنها نزعة تحطيم كل شيء أو ما تسمى ما بعد الحداثة..
وليس الإعلام ببعيد عنها أي إعلام لا يعرف العمق والتحليل ويكتفي بومضات تعمي أكثر مما تضيء يحدث هذا في العالم كله ..لقد تحولنا إلى فقاعات هلامية ولهذه الفقاعات حديث ..