بعد أن هدأت قليلاً تحليلات الاقتصاديين وأصحاب الشأن التي رافقت إصدار المصرف المركزي فئة نقدية جديدة تطرح لأول مرة في سورية وما توصلت إليه بمجملها من نتيجة تفيد بعدم تأثيرها المباشر على الوضع المعيشي للناس وأنها إجراء ضروري لاستبدال العملات التالفة وتسهيل حركة نقل الأموال وعدها.
لم يستطع أي مسؤول مالي أو اقتصادي باستثناء توضيح من المركزي أن يخفف من المخاوف والتساؤلات المحقة لجل الشارع السوري الذي وجد بهذه الفئة النقدية تأكيداً على الواقع المؤكد بأن القوة الشرائية للمواطن وصلت لأدنى مستوى، والأهم ما تخلفه مثل هذه القرارات الاقتصادية والنقدية وغيرها رغم افتراضنا بأهميتها والحاجة الملحة لها على مجمل الأسعار سواء في سوق المواد والسلع على اختلاف أنواعها أو سوق الصرف بغض النظر طبعاً عن عامل التوقيت المناسب المفترض أخذه بعين الاعتبار من قبل أصحاب القرار عند التوجه لإصدار قرارات حساسة ومهمة، إذ غالباً ما تخرج مثل هذه القرارات في أوقات معيشية واقتصادية ضاغطة وقاسية يواجهها الناس ناهيك عن افتقادنا حتى اللحظة لحالة المكاشفة الموضوعية والقريبة من فهم الناس لمبررات توجه الحكومة لاتخاذ إجراءات وقرارات اقتصادية قد تبدو بظاهرها ذات آثار اقتصادية ومعيشية صعبة بوقتها ولكنها على المدى البعيد ستحقق جدواها على الاقتصاد والمواطن على حد سواء.
ما حصل بعد ساعات قليلة من طرح فئة الخمسة آلاف ليرة للتداول كما العادة من فوضى سعرية غير منطقية أو مقبولة بالأسعار يستدعي التوقف عنده والسؤال من جديد عن الضعف الحاصل بالأجهزة الرقابية على اختلافها وفي مقدمها طبعاً “وزارة حماية المستهلك” التي يتندر الناس من وجودها ودورها وإن كانت فعلاً وجدت لحماية حقوق المستهلك أو زيادة الضغط عليه، وكأن تسهيل حصوله على سلعة بسعر مقبول وبجودة مطلوبة أصبح حلماً حتى من خلال مؤسساتها للتدخل الإيجابي التي توازي أسعارها في كثير من الأحيان أسعار السوق مع افتقادها للنوعية.
ويبقى الأخطر من كل ما تقدم اتساع دائرة انتشار المواد والسلع لا سيما الغذائية منها المنتهية الصلاحية وغير الصالحة للاستهلاك البشري والمهددة للصحة العامة ولعل قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك الذي صدر مؤخراً بإلزام أصحاب المستودعات ومحال الجملة والمفرق بفرز المواد المنتهية الصلاحية عن المواد الأخرى وعدم بيعها خير شاهد عن حجم الفوضى الحاصلة بهذا الملف الخطير.
بالمحصلة لا تكمن المشكلة في صدور مثل هذه القرارات الاقتصادية والنقدية بالبلد وإنما في عدم العمل على دعمها بقرارات تسهل وتسرع من عجلة دوران الإنتاج لأنها وحدها القادرة على تأمين المواد وبالتالي تخفيض فاتورة الاستيراد والتعامل بحزم مع حالة الفلتان الحاصلة بالأسواق.
الكنز- هناء ديب